مِنْ الزَّلَلِ وَيُوَفِّقُنَا فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ (ش) هَذَا دُعَاءٌ آخَرُ بِأَنْ يَمْنَعَهُ اللَّهُ وَيَحْفَظَهُ مِنْ الْعُدُولِ عَنْ الْحَقِّ الَّذِي هُوَ شَبِيهٌ بِالزَّلِقِ فِي طِينٍ أَوْ وَحْلٍ فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ الْمُخَالَفَةِ وَلِذَا أَرْدَفَهُ بِطَلَبِ التَّوْفِيقِ إلَى الِاسْتِقَامَةِ فِي أَقْوَالِهِ اللِّسَانِيَّةِ وَأَفْعَالِهِ الْقَلْبِيَّةِ وَالْجَوَارِحِيَّةِ غَيْرِ اللِّسَانِ وَالْعِصْمَةُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنْ لَا يَخْلُفَ اللَّهُ فِي الْعَبْدِ ذَنْبًا وَعِنْدَ الْحُكَمَاءِ مَلَكَةٌ تَمْنَعُ الْفُجُورَ وَيَصِحُّ تَفْسِيرُهَا عَلَى طَرِيقِ أَهْلِ السُّنَّةِ بِالْمَلَكَةِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ إرَادَةِ أَنَّهَا مَلَكَةٌ أَيْ كَيْفِيَّةٌ يَخْلُقُهَا اللَّهُ تَعَالَى تَمْنَعُ الْفُجُورَ بِطَرِيقٍ جَرْيِ الْعَادَةِ بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ عَادَةً وُقُوعُ الْفُجُورِ مَعَهَا وَأَصْلُ زَلَلْت زَلَّ يَزِلُّ، وَهُوَ الزَّلِقُ فِي الطِّينِ أَوْ الْمَنْطِقُ أُرِيدَ بِهِ لَازِمُهُ مِنْ النَّقْصِ؛ لِأَنَّ مَنْ زَلَّ فَقَدْ نَقَصَ فِي الْعَرَضِ أَوْ الْمَالِ أَوْ الدَّيْنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلِهِ وَاَللَّهُ أَسْأَلُ فَهِيَ جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ خَبَرِيَّةً لَفْظًا إنْشَائِيَّةً مَعْنًى وَلِذَا تَكُونُ مَعْطُوفَةً عَلَى الْجُمْلَةِ الْإِنْشَائِيَّةِ الدِّعَائِيَّةِ وَلَوْ تَجَرَّدَتْ لِلْخَبَرِيَّةِ لَمْ يَصِحَّ الْعَطْفُ بِاتِّفَاقٍ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعَانِي وَبِاخْتِلَافٍ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ (فَإِنْ قُلْت) لَوْ نُصِبَ اللَّهُ بِأَسْأَلُ هَلْ يَصِحُّ عَطْفُ وَاَللَّهُ يَعْصِمُنَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ (قُلْت) يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْعَطْفُ عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَالْعَاطِفُ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْوَاوُ وَسِيبَوَيْهِ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ) قَابَلَ الْمُؤَلِّفُ الْقَوْلَ بِالْعَمَلِ لِلْعُرْفِ الشَّائِعِ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ» ، وَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَا يَتَنَاوَلُهُ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (قَوْلُهُ وَيَحْفَظُهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى يَمْنَعُهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَيْ فَالْمُرَادُ مِنْ الْعِصْمَةِ الْحِفْظُ (قَوْلُهُ الَّذِي هُوَ شَبِيهٌ) صِفَةٌ لِلْعُدُولِ فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ مُصَرِّحَةٌ وَتَقْرِيرُهَا أَنْ تَقُولَ شَبَّهَ الْعُدُولَ عَنْ الْحَقِّ بِالزَّلْقِ فِي الطِّينِ وَالْوَحْلِ وَاسْتَعَارَ اسْمَ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ عَلَى طَرِيقِ التَّصْرِيحِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُ فَهُوَ كِنَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ فَهُوَ عِبَارَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ وَحْلٍ) الْوَحْلُ بِالسُّكُونِ اسْمٌ وَجَمْعُهُ وُحُولٌ مِثْلَ فَلْسٍ وَفُلُوسٍ وَيَجُوزُ فَتْحُهُ لِيُجْمَعَ عَلَى أَوْحَالٍ مِثْلَ سَبَبٍ وَأَسْبَابٍ، وَهُوَ الطِّينُ الرَّقِيقُ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ فَهُوَ إذَنْ عَطْفُ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ بِأَوْ فَالْمُخَلِّصُ أَنْ يُرَادَ بِالطِّينِ الثَّخِينُ فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْمُغَايِرِ.

(قَوْلُهُ وَلِذَا أَرْدَفَهُ) أَيْ لِكَوْنِهِ دُعَاءً بِالْحِفْظِ يَكُونُ مِنْ بَابِ التَّخْلِيَةِ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالتَّخْلِيَةُ يُطْلَبُ بَعْدَهَا التَّحْلِيَةُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَرْدَفَهُ بِطَلَبِ التَّوْفِيقِ إلَخْ الَّذِي هُوَ مِنْ بَابِ التَّحْلِيَةِ؛ لِأَنَّهُ خَلْقُ الطَّاعَةِ فِي الْعَبْدِ إلَّا أَنَّ هَذَا ظَاهِرُهُ وَلَوْ تَأَمَّلْت لَوَجَدْتهَا تَحْلِيَةً مُتَضَمِّنَةً لِتَخْلِيَةٍ وَكَذَلِكَ تَجِدُ التَّوْفِيقَ تَحْلِيَةً مُتَضَمِّنَةً لِتَخْلِيَةٍ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْمُتَلَازِمَيْنِ (قَوْلُهُ وَأَفْعَالِهِ الْقَلْبِيَّةِ إلَخْ) أَيْ الْمُشَارِ لَهَا بِقَوْلِهِ وَالْعَمَلِ (قَوْلُهُ والجوارحية) مَعْطُوفٌ عَلَى الْقَلْبِيَّةِ (قَوْلُهُ غَيْرِ اللِّسَانِ) إنَّمَا أَخْرَجَ اللِّسَانَ لِدَفْعِ التَّكْرَارِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعَمَلَ يُطْلَقُ عَلَى فِعْلِ اللِّسَانِ كَمَا بَيَّنَّا (قَوْلُهُ أَنْ لَا يَخْلُقَ اللَّهُ) أَيْ فَهِيَ عَدَمُ تَعَلُّقِ قُدْرَةِ اللَّهِ بِوُجُودِ ذَنْبٍ فِي الْعَبْدِ فَظَهَرَ أَنَّ الْعِصْمَةَ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ لَا وُجُودِيٌّ وَقَوْلُهُ ذَنْبًا أَيْ أَيَّ ذَنْبٍ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، ثُمَّ إنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ نُقِضَ بِكَثِيرٍ مِنْ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ بَلَغُوا وَمَاتُوا قَرِيبَ بُلُوغِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْصُوا أَيْ مِنْ غَيْرِ إمْكَانِ الْمَعْصِيَةِ وَقَدْ صَدَقَ مَعْنَى الْعِصْمَةِ فِي حَقِّهِمْ مَعَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا مَعْصُومِينَ وَكَذَلِكَ الْمَيِّتُ وَمَنْ مَنَعَهُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ مَانِعٌ فَالْأَوْلَى مَا فَسَّرَهَا بِهِ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ عَدَمُ خَلْقِ اللَّهِ الذَّنْبَ فِي الْعَبْدِ مَعَ بَقَاءِ الْقُدْرَةِ وَالِاخْتِيَارِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ نَفْيَ الذَّنْبِ فَرْعٌ عَنْ إمْكَانِهِ فَهُوَ مُحْرِزٌ لِقَيْدِ الْقُدْرَةِ وَالِاخْتِيَارِ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ الْحُكَمَاءِ) مُقَابِلُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَهُمْ قَوْمٌ كُفَّارٌ (قَوْلُهُ مَلَكَةٌ) أَيْ كَيْفِيَّةٌ رَاسِخَةٌ فِي النَّفْسِ (قَوْلُهُ تَمْنَعُ الْفُجُورَ) أَيْ الْمَعَاصِيَ عَقْلًا أَيْ بِحَيْثُ تَكُونُ هِيَ الْمُؤَثِّرَةُ فِي ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ بِطَرِيقِ جَرْيِ الْعَادَةِ) هَذَا هُوَ الْفَارِقُ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحُكَمَاءِ وَسَكَتَ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُمْ عُصَاةٌ وَالْقَوْلُ بِالْمَنْعِ الْعَقْلِيِّ يَقْتَضِي الْكُفْرَ فَيَظْهَرُ أَنَّهُمْ مُوَافِقُونَ لِأَهْلِ السُّنَّةِ، ثُمَّ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ أَقُولُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَقُولَ تُمْنَعُ عَقْلًا وَالْمُؤَثِّرُ هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ كَوْنِهِ مُخْتَارًا بِأَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَوْلَى تَعَالَى إنْ شَاءَ أَبْقَى الْمَلَكَةَ الْمَذْكُورَةَ فَلَا تَقَعُ الْمَعْصِيَةُ قَطْعًا، وَإِنْ شَاءَ أَزَالَهَا فَتَقَعُ الْمَعْصِيَةُ وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الِاخْتِيَارَ فِي بَقَاءِ الْمَلَكَةِ وَالطَّاعَةِ أَوْ إزَالَتِهَا كَمَا قِيلَ فِي الْجَوْهَرِ وَالْعَرَضِ إنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ عَقْلًا وَلَا يَمْنَعُ اخْتِيَارَ الْمَوْلَى تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ إنْ شَاءَ أَوْجَدَهُمَا مَعًا، وَإِنْ شَاءَ أَعْدَمَهُمَا مَعًا وَكَمَا قَالُوا فِي التَّلَازُمِ بَيْنَ النَّتِيجَةِ وَالْقِيَاسِ عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ بِالتَّلَازُمِ الْعَقْلِيِّ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ وَأَصْلُ زَلَلْت إلَخْ) أَيْ إنَّهُ إذَا أَسْنَدَ إلَى الضَّمِيرِ يُفَكُّ مِنْ الْإِدْغَامِ أَيْ وَأَصْلُهُ قَبْلَ الْإِسْنَادِ إلَى الضَّمِيرِ زَلَّ بِدُونِ إدْغَامٍ (قَوْلُهُ يَزِلُّ) مِنْ بَابِ ضَرَبَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الزَّلْقُ فِي الطِّينِ أَوْ الْمَنْطِقِ) أَيْ النُّطْقِ إلَخْ لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا وَمَجَازٌ فِي الزَّلْقِ فِي الْفِعْلِ غَيْرِ النُّطْقِيِّ فَإِذَنْ يَكُونُ مُنَافِيًا لِصَدْرِ الْعِبَارَةِ مِنْ أَنَّهُ مَجَازٌ فِي النُّطْقِ وَعِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ زَلَّ فِي مَنْطِقِهِ أَوْ فِعْلِهِ اهـ.

وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ الْفِعْلَ أَعَمُّ فَهِيَ عِبَارَاتٌ ثَلَاثَةٌ مُتَنَافِيَةٌ إنْ كَانَ كَلَامُ الْمِصْبَاحِ مُفَسِّرًا لِلْحَقِيقَةِ وَوَقَفْت عَلَى نُسْخَةٍ فِي الْأَسَاسِ وَقَعَ فِي ظَنِّي أَنَّ فِيهَا سَقْطًا وَعَلَيْهِ فَتَكُونُ مُؤَيِّدَةً لِلتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ الْمُصَرِّحِ بِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الزَّلْقِ فِي الطِّينِ وَحْدَهُ (قَوْلُهُ أُرِيدَ بِهِ لَازِمُهُ) أَيْ فَهُوَ كِنَايَةٌ لِجَوَازِ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ.

(قَوْلُهُ فِي الْعَرَضِ) مَوْضِعُ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ مِنْ الْإِنْسَانِ وَأَوْ فِي ذَلِكَ مَانِعَةُ خُلُوٍّ تُجَوِّزُ الْجَمْعَ (قَوْلُهُ أَوْ الْمَالِ) كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ مِنْ كَوْنِ الْإِنْسَانِ يَتَكَلَّمُ بِكَلِمَةٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا ذَهَابُ مَالِهِ بَلْ يَتَرَتَّبُ ذَهَابُ نَفْسِهِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ النَّقْصَ فِي الْعَرْضِ يَتَرَتَّبُ عَلَى الزَّلْقِ فِي الْمَنْطِقِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ وَكَذَا الزَّلْقُ فِي الطِّينِ إذَا تَعَاطَى أَسْبَابَهُ وَالنَّقْصُ فِي الْمَالِ تَرَتُّبُهُ عَلَى الزَّلْقِ فِي الْمَنْطِقِ ظَاهِرٌ وَكَذَا فِي الطِّينِ مِنْ حَيْثُ تَلَوُّثُ ثِيَابِهِ الَّتِي يُنْقِصُ قِيمَتَهَا الْغَسْلُ وَلَا بُدَّ مِنْهُ أَوْ يَكُونُ مَعَهُ شَيْءٌ يَسْقُطُ فِي الطِّينِ فَيَتْلَفُ، وَأَمَّا الدَّيْنُ فَتَرَتُّبُهُ عَلَى الزَّلْقِ فِي الْمَنْطِقِ ظَاهِرٌ وَكَذَا فِي الطِّينِ إذَا تَعَاطَى أَسْبَابَهُ وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ فَوَاتُ طَاعَةٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015