أَوْ سَعَى فِي شَيْءٍ مِنْهُ (ش) هَذَا دُعَاءٌ مِنْ الْمُؤَلِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَابْتِهَالٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي أَنْ يَنْفَعَ بِمُخْتَصَرِهِ هَذَا مَنْ كَتَبَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ قَرَأَهُ بِدَرْسٍ أَوْ مُقَابَلَةٍ أَوْ مُطَالَعَةٍ أَوْ حَصَّلَهُ بِمِلْكٍ أَوْ بِحِفْظٍ أَوْ فَهْمٍ أَوْ بِهِمَا أَوْ سَعَى فِي شَيْءٍ مِنْهُ يُحْتَمَلُ ضَمِيرٌ مِنْهُ أَنْ يَعُودَ عَلَى جُمْلَةِ الْمُخْتَصَرِ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ بِمَا قَبْلَ هَذَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كُلِّهِ وَهَذَا يَتَعَلَّقُ بِبَعْضِهِ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ فِي جُمْلَتِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ وَهَذَا أَبْلَغُ وَمِنْ لِلتَّبْعِيضِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَسَلَكَ سُنَنَ الْأَئِمَّةِ فِي الدُّعَاءِ بِالِانْتِفَاعِ بِتَآلِيفِهِمْ لِتَحْصُلَ الثَّمَرَةُ عَاجِلًا بِالِانْتِفَاعِ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَآجِلًا بِالثَّوَابِ الْجَزِيلِ وَالظَّنُّ بِجَمِيلِ صُنْعِ اللَّهِ قَبُولُ دَعْوَتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ نَشَرَ ذِكْرَهُ فِي الْآفَاقِ وَجَبَلَ قُلُوبَ كَثِيرٍ مِنْ الْخَلْقِ عَلَى مَحَبَّتِهِ وَالِاشْتِغَالِ بِهِ وَهِيَ مِنْ عَلَامَاتِ الْقَبُولِ وَتَعْجِيلِ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ وَإِلَّا فَكَمْ مِنْ تَأْلِيفٍ حَسَنٍ طُوِيَ ذِكْرُهُ وَلَمْ يُشْتَغَلْ بِهِ وَالرَّجَاءُ مِنْهُ تَعَالَى أَنْ يُتِمَّ الْإِنْعَامَ بِالْإِحْسَانِ الْأُخْرَوِيِّ إنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَقَدَّمَ لَفْظَ الْجَلَالَةِ مَنْصُوبًا بِأَسْأَلُ لِإِفَادَةِ الْحَصْرِ أَيْ لَا أَسْأَلُ ذَلِكَ الْأَمْرَ إلَّا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ الْقَادِرُ عَلَيْهِ وَعَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَرَقَّبْ عَلَيْهِ مَنْفَعَةٌ مِنْ مَخْلُوقٍ وَلَا قَصَدَ بِتَأْلِيفِهِ التَّوَسُّلَ إلَى الْقُرْبِ مِنْهُ كَعَادَةِ كَثِيرٍ مِنْ الْمُصَنَّفِينَ لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ بَلَّغَهُ مُرَادَهُ بِحُسْنِ نِيَّتِهِ وَالسُّؤَالُ لُغَةً الطَّلَبُ وَاصْطِلَاحًا طَلَبُ الْأَدْنَى مِنْ الْأَعْلَى.

(ص) وَاَللَّهُ يَعْصِمُنَا

ـــــــــــــــــــــــــــــQالسُّؤَالَ مُحَادَثَةٌ مَعَ الْمَوْلَى وَالْمُحَادَثَةُ مَعَ الْمَوْلَى الْكَرِيمِ يَنْبَغِي فِيهَا التَّطْوِيلُ وَالنَّفْعُ إيصَالُ الْخَيْرِ أَوْ دَفْعُ الضَّرَرِ وَقَوْلُهُ مِنْ كُتُبِهِ إلَخْ أَوْقَعَ هَذِهِ الْأَفْعَالَ الْمَاضِيَةَ مَوْضِعَ الْمُسْتَقْبَلِ تَحْقِيقًا لَهُ وَتَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْوَاقِعِ عَلَى تَقْدِيرِ وَضْعِ الْخُطْبَةِ قَبْلَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَضَعَ الْخُطْبَةَ أَوَّلًا وَاسْتَحْضَرَهُ فِي ذِهْنِهِ (قَوْلُهُ وَابْتِهَالٌ إلَى اللَّهِ) أَيْ وَتَضَرُّعٌ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ (قَوْلُهُ كَتَبَهُ لِنَفْسِهِ) أَيْ وَلَوْ لَمْ يَقْرَأْهُ وَلَمْ يَفْهَمْ مَا فِيهِ (قَوْلُهُ أَوْ لِغَيْرِهِ) أَيْ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ (قَوْلُهُ أَوْ حَصَّلَهُ بِمِلْكٍ) صَادِقٍ بِالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالشِّرَاءِ وَلَوْ لِلتِّجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ فَأَرَادَ بِالْمِلْكِ مَا يَشْمَلُ مِلْكَ الذَّاتِ وَمِلْكَ الْمَنْفَعَةِ (قَوْلُهُ أَوْ بِحِفْظٍ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ أَوْ قَرَأَهُ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ تَصْدُقُ بِهِ وَبِمُجَرَّدِ قِرَاءَةٍ بِدُونِ حِفْظٍ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْحِفْظِ حِفْظًا حَصَلَ بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ (قَوْلُهُ أَوْ فَهْمٍ) أَيْ لِمَعَانِيهِ.

(قَوْلُهُ أَوْ سَعَى فِي شَيْءٍ مِنْهُ) أَيْ شَيْءٍ يَنْتَفِعُ بِهِ احْتِرَازٌ عَنْ كِتَابَةٍ أَوْ قِرَاءَةِ كَلِمَةٍ أَوْ كَلِمَتَيْنِ مَثَلًا (قَوْلُهُ وَهَذَا أَبْلَغُ) أَيْ أَحْسَنُ، ثُمَّ يُقَالُ لَا وَجْهَ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ قَبْلُ وَهَذَا يَتَعَلَّقُ بِوَاحِدٍ إلَخْ وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ بِأَنَّ الْأَبْلَغِيَّةَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ قَابِلٌ؛ لَأَنْ يُخَصَّ بِمَا عَدَا ذَلِكَ الْوَجْهِ إلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ عَدَمُ جَرَيَانِ الضَّمَائِرِ عَلَى سَنَنٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ سَنَنَ الْأَئِمَّةِ) أَيْ طَرِيقَ الْأَئِمَّةِ (قَوْلُهُ بِالِانْتِفَاعِ إلَخْ) أَيْ فِي الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى (قَوْلُهُ بِالِانْتِفَاعِ) أَيْ الثَّمَرَةِ الْمُصَوَّرَةِ بِالِانْتِفَاعِ وَكَذَا فِي قَوْلِهِ بِالثَّوَابِ (قَوْلُهُ وَالظَّنُّ) مُبْتَدَأٌ بِمَعْنَى الْمَظْنُونِ وَقَوْلُهُ قَبُولُ دَعْوَتِهِ خَبَرٌ وَالْبَاءُ فِي بِجَمِيلٍ بِمَعْنَى مِنْ وَإِضَافَةُ جَمِيلٍ لِمَا بَعْدَهُ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ وَالتَّقْدِيرُ وَالْمَظْنُونُ مِنْ صُنْعِ اللَّهِ الْجَمِيلِ قَبُولُ دَعْوَتِهِ أَيْ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ وَقَوْلُهُ فَإِنَّ اللَّهَ إلَخْ أَشَارَ إلَى قَبُولِ الدُّنْيَوِيَّةِ بِالْمُشَاهَدَةِ، فَإِنْ قُلْت لَا وَجْهَ لِلتَّعْبِيرِ بِالظَّنِّ قُلْت يُمْكِنُ أَنَّهُ عَبَّرَ بِالظَّنِّ بِاعْتِبَارِ الْمَجْمُوعِ نَظَرًا لِلثَّانِيَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ (قَوْلُهُ الْآفَاقِ) جَمْعُ أُفُقٍ بِضَمَّتَيْنِ بِمَعْنَى النَّاحِيَةِ مِنْ الْأَرْضِ وَمِنْ السَّمَاءِ (قَوْلُهُ وَجَبَلَ) أَيْ فَطَرَ أَيْ خَلَقَ (قَوْلُهُ وَتَعْجِيلِ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْقَبُولِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَكَمْ إلَخْ) أَيْ، وَإِنْ لَمْ نَقُلْ ذَلِكَ مِنْ عَلَامَاتِ الْقَبُولِ فَالْأَمْرُ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّا وَجَدْنَا غَيْرَهُ انْطَوَى، وَهُوَ لَمْ يَنْطَوِ، فَإِنْ لَمْ نَقُلْ مِنْ عَلَامَاتِ الْقَبُولِ لَحَصَلَتْ الْحِيرَةُ فِي كَوْنِ كِتَابِهِ لَمْ يَنْطَوِ وَكِتَابُ غَيْرِهِ انْطَوَى.

(قَوْلُهُ وَالرَّجَاءُ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى النِّعْمَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ أَيْ وَالْمَرْجُوُّ، فَإِنْ قُلْت مَنْ الثَّمَرَتَانِ لَهُ قُلْت لِلْمُشْتَغِلِ بِهِ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ إنَّمَا هُوَ ثَمَرَةٌ لَهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ يَتَرَتَّبُ عَلَى تَأْلِيفِهِ الثَّمَرَتَانِ لِغَيْرِهِ يَكُونُ دَالًّا عَلَى الْخَيْرِ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الدَّالُّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ» (قَوْلُهُ إنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ) أَيْ مَوْلَى ذَلِكَ أَيْ مُعْطِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ مَنْصُوبًا إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ اللَّهُ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ أَسْأَلُ لِيُفِيدَ التَّجَدُّدَ فِي السُّؤَالِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْجُمْلَةَ الِاسْمِيَّةَ تَدُلُّ عَلَى الثُّبُوتِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ خَبَرُهَا اسْمًا أَمَّا لَوْ كَانَ فِعْلًا فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى التَّجَدُّدِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ (فَإِنْ قُلْت) يَلْزَمُ عَلَى الرَّفْعِ حَذْفُ الْعَائِدِ بِخِلَافِ النَّصْبِ (قُلْت) حَذْفُ الْعَائِدِ جَائِزٌ (فَإِنْ قُلْت) فَيَفُوتُ الِاخْتِصَاصُ (قُلْت) صُدُورُ السُّؤَالِ مِنْ الْمُوَحِّدِ قَاضٍ بِهِ كَذَا قِيلَ (أَقُولُ) الْفِعْلُ الْمُضَارِعُ مُفِيدٌ لِلتَّجَدُّدِ وَالْحُدُوثِ، وَإِنْ لَمْ يُجْعَلْ خَبَرًا مَعَ إفَادَةِ الْحَصْرِ صَرِيحًا فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَلَا قَصْدَ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى يَتَرَقَّبُ عَطْفُ سَبَبٍ عَلَى مُسَبَّبٍ؛ لِأَنَّ التَّوَسُّلَ لِلْقُرْبِ مِنْهُ إنَّمَا هُوَ لِتِلْكَ الْمَنْفَعَةِ وَلَا زَائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ أَيْ لَمْ يَتَرَقَّبْ وَلَمْ يَقْصِدْ (قَوْلُهُ كَعَادَةِ كَثِيرٍ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ) كَالسَّعْدِ لَمَّا وَضَعَ الْمُطَوَّلَ وَمُخْتَصَرَهُ عَلَى تَلْخِيصِ الْمِفْتَاحِ فَإِنَّهُ قَصَدَ بِهِ الْقُرْبَ مِنْ الْمَلِكِ لِيَشْتَهِرَ بِذَلِكَ عِلْمُهُ لِيُؤْخَذَ عَنْهُ، وَهُوَ مَنْدُوبٌ هَكَذَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ مَقَاصِدُ الْعُظَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ هَذَا الْقُرْبُ الْمُتَوَسَّلُ إلَيْهِ صُورَةً لَا حَقِيقَةً (فَإِنْ قُلْت) كَيْفَ يَتْرُكُ الْمُؤَلِّفُ الْمَنْدُوبَ، وَهُوَ أَوْلَى بِفِعْلِهِ.

(قُلْت) لَعَلَّ وَجْهَ النَّدْبِ إذَا لَمْ يُوجَدْ بَاعِثٌ رُوحَانِيٌّ يُحْمَلُ عَلَى تَرْكِهِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَّا فَتَرْكُهُ أَوْلَى وَيَعْتَمِدُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَقَوْلُهُمْ لَا جَرَمَ قَالَ الْفَرَّاءُ هِيَ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى لَا بُدَّ وَلَا مُحَالَةَ، ثُمَّ كَثُرَتْ فَحُوِّلَتْ إلَى مَعْنَى الْقَسَمِ وَصَارَتْ بِمَعْنَى حَقًّا وَلِهَذَا تُجَابُ بِاللَّامِ نَحْوَ لَا جَرَمَ لَأَفْعَلَنَّ اهـ.

وَمُرَادُهُ الثَّمَرَتَانِ إمَّا الدُّنْيَوِيَّةُ فَظَاهِرَةٌ وَإِمَّا الْأُخْرَوِيَّةُ فَلِأَنَّ حُصُولَ الدُّنْيَوِيَّةِ عِنْوَانٌ عَلَى حُصُولِ الْأُخْرَوِيَّةِ خُصُوصًا وَالْمَرْجُوُّ كَرِيمٌ غَايَةَ الْكَرَمِ (قَوْلُهُ بِحُسْنِ نِيَّتِهِ) أَيْ بِسَبَبِ حُسْنِ نِيَّتِهِ (قَوْلُهُ وَاَللَّهُ) بِالرَّفْعِ وَيُقَالُ فِيهِ مَا قِيلَ فِي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015