كَقَوْلِي وَفِي كَذَا تَرَدُّدٌ إلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ الْأَوَّلُ تَرَدُّدُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَمَنْ بَعْدَهُ فِي النَّقْلِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ كَأَنْ يَنْقُلُوا عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِمَا فِي مَكَان حُكْمًا مُعَيَّنًا فِي مَسْأَلَةٍ، ثُمَّ يَنْقُلُوا عَنْهُ فِي مَكَان آخَرَ خِلَافَ ذَلِكَ الْحُكْمِ أَوْ يَنْقُلَ بَعْضُهُمْ عَنْهُ حُكْمًا فِيهَا وَيَنْقُلَ آخَرُونَ عَنْهُ فِيهَا خِلَافَهُ وَسَبَبُ ذَلِكَ إمَّا اخْتِلَافُ قَوْلِ الْإِمَامِ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ قَوْلَانِ وَإِمَّا الِاخْتِلَافُ فِي فَهْمِ كَلَامِ الْإِمَامِ فَيُنْسَبُ لَهُ كُلُّ مَا فَهِمَ عَنْهُ الثَّانِي تَرَدُّدَ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْحُكْمِ نَفْسِهِ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ وَبِمَا قَرَّرْنَا ظَهَرَ أَنَّ الْمَعْطُوفَ بِأَوْ مُقَدَّرٌ لَا قَوْلُهُ لِعَدَمِ وَأَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي النَّقْلِ لَا قَوْلُهُ لِتَرَدُّدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُهُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ عَلَى مُقْتَضَى الظَّاهِرِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُشِيرُ بِالتَّرَدُّدِ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ.

وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ تَرَدُّدٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِفَقْدِ مَعْنَى التَّرَدُّدِ الَّذِي هُوَ التَّحَيُّرُ إذْ لَا تَحَيُّرَ مَعَ جَزْمِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُقْتَدَى بِهِمْ وَلَا سِيَّمَا أَمْثَالُ مَنْ تَقَدَّمَ وَتَرَدُّدُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ وَاخْتِلَافُ طُرُقِهِمْ فِي الْعَزْوِ لِلْمَذْهَبِ فَهُوَ كَقَوْلِ غَيْرِهِ وَفِي كَذَا طُرُقٌ أَوْ طَرِيقَانِ وَلَمْ يُعْطِ عَلَامَةً يُمَيِّزُ بِهَا بَيْنَ التَّرَدُّدَيْنِ إلَّا أَنَّ الثَّانِيَ فِي كَلَامِهِ أَقَلُّ كَقَوْلِهِ وَفِي اعْتِبَارِ الْمُلَازَمَةِ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ مُطْلَقًا تَرَدُّدٌ وَفِي خُفٍّ غُصِبَ تَرَدُّدٌ وَفِي رَابِعٍ تَرَدُّدٌ وَفِي أَجْزَاءِ مَا وُقِفَ بِالْبِنَاءِ تَرَدُّدٌ وَفِي جَوَازِ مَنْ أَسْلَمَ بِخِيَارٍ تَرَدُّدٌ وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ بِتَرَدُّدٌ بِالرَّفْعِ عَلَى الْحِكَايَةِ كَقَوْلِهِ خِلَافٌ لَكَانَ أَوْجَهَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشِرْ بِهِ إلَّا كَذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ قَدْ يُشِيرُ بِالنَّظَرِ مَوْضِعَ التَّرَدُّدِ.

كَقَوْلِهِ وَفِي جَعْلِ الْمُخَالِطِ الْمُوَافِقِ كَالْمُخَالِفِ نَظَرٌ وَقَوْلُهُ، فَإِنْ شَقَّ فَفِي الِاجْتِهَادِ نَظَرٌ قُلْت قَالَ بَعْضٌ إنَّهُ يُشِيرُ بِالتَّرَدُّدِ لَلْمُتَأَخِّرِينَ إذَا جَزَمُوا بِالْحُكْمِ وَاخْتَلَفُوا بِالنَّظَرِ إذَا جَمَحُوا وَوَقَفُوا وَقَدْ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَمَنْ بَعْدَهُ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَنْ قَبْلَهُ مُتَقَدِّمُونَ وَأَلْ فِي الْمُتَأَخِّرِينَ لِلْجِنْسِ الْمُتَحَقِّقِ وَلَوْ فِي وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُشِيرُ بِالتَّرَدُّدِ لِتَرَدُّدِ وَاحِدٍ كَمَا يَأْتِي.

(قَوْلُهُ كَأَنْ يَنْقُلُوا) وَلَوْ كَانَ وَاحِدًا (قَوْلُهُ وَابْنِ الْقَاسِمِ) أَيْ أَوْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَغَيْرِهِمَا أَيْ أَوْ غَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ أَوْ يَنْقُلُ بَعْضُهُمْ إلَخْ) وَجْهُ مُغَايَرَةِ هَذَا لِمَا قَبْلَهُ أَنَّ الْجَمِيعَ اتَّفَقُوا فِي النَّقْلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى خِلَافِ مَا نَقَلُوهُ فِي الْمَوْضِعِ الْآخَرِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَفِي الثَّانِي نَقَلَ بَعْضٌ عَنْهُ خِلَافَ مَا نَقَلَهُ الْبَعْضُ الْآخَرُ.

(قَوْلُهُ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ قَوْلَانِ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ شَيْئًا، ثُمَّ يَرْجِعَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ وَيُعْرَفُ رُجُوعُهُ عَنْهُ أَوْ لَا يُعْرَفُ أَوْ يَكُونُ لَهُ قَوْلَانِ بِشَرْطِهِمَا، وَهُوَ اخْتِلَافُ الْوَقْتِ أَوْ نَحْوِهِ فَيَنْقُلُ النَّاقِلُ قَوْلًا فِي مَكَان وَآخَرَ فِي غَيْرِهِ أَوْ يَقْتَصِرُ نَاقِلٌ عَلَى قَوْلٍ وَآخَرُ عَلَى الْآخَرِ كَذَا قَالَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُشِيرُ بِالتَّرَدُّدِ لِلْمَرْجُوعِ إلَيْهِ وَالْمَرْجُوعِ عَنْهُ وَذَكَرَ فِيمَا يَأْتِي مَا يُفِيدُ خِلَافَهُ (قَوْلُهُ لِتَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ) أَيْ جِنْسِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُتَحَقِّقِ وَلَوْ فِي وَاحِدٍ لَكِنْ إنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ اثْنَيْنِ فَكُلٌّ جَازِمٌ بِمَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ كَأَنْ يَظْهَرَ لِابْنِ رُشْدٍ الْوُجُوبُ وَيَجْزِمَ بِهِ وَيَظْهَرَ لِابْنِ يُونُسَ النَّدْبُ مَثَلًا وَيَجْزِمَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ وَاحِدٍ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُتَحَيِّرٌ هَلْ الْحُكْمُ كَذَا أَوْ كَذَا (قَوْلُهُ أَنَّ الْمَعْطُوفَ بِأَوْ مُقَدَّرٌ) أَيْ وَتَقْدِيرُهُ أَوْ فِي الْحُكْمِ أَيْ لِتَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ أَوْ فِي الْحُكْمِ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ أَيْ فِي إنْشَاءِ الْحُكْمِ وَالْأَوَّلُ فِي إبْقَاءِ الْحُكْمِ فَلَا تَكْرَارَ وَلَا اعْتِرَاضَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْ فِي الْحُكْمِ لَا يُغَايِرُ فِي الْمَعْنَى فِي النَّقْلِ حَتَّى يَعْطِفَ عَلَيْهِ إذْ الِاخْتِلَافُ فِي النَّقْلِ لَا يُعْقَلُ إلَّا إذَا كَانَ اخْتِلَافٌ فِي الْحُكْمِ.

(قَوْلُهُ الَّذِي هُوَ التَّحَيُّرُ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُنَافِيهِ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ التَّرَدُّدَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْجَزْمِ مَعَ الِاخْتِلَافِ وَيُشِيرُ بِالنَّظَرِ لِلتَّحَيُّرِ وَبَعْدَ أَنْ عَلِمْت هَذَا فَكُلٌّ مِنْهُمَا غَيْرُ ظَاهِرٍ وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ التَّرَدُّدُ مُسْنَدًا لِوَاحِدٍ فَالْمُرَادُ بِهِ التَّحَيُّرُ، وَإِنْ كَانَ مُسْنَدًا لِمُتَعَدِّدٍ فَالْمُرَادُ بِهِ الِاخْتِلَافُ مَعَ الْجَزْمِ (قَوْلُهُ اخْتِلَافُ طُرُقِهِمْ) أَيْ أَحْوَالِهِمْ (قَوْلُهُ فِي الْعَزْوِ) فِي بِمَعْنَى مِنْ أَيْ الْعَزْوِ لِلْمَذْهَبِ أَيْ لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ الْمُتَقَدِّمِينَ كَأَنْ يَقُولُوا فِي مَوْضِعٍ قَالَ مَالِكٌ كَذَا، ثُمَّ يَقُولُوا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.

قَالَ مَالِكٌ كَذَا خِلَافَ الْأَوَّلِ، وَهُوَ بِمَعْنَى تَرَدُّدِهِمْ فِي النَّقْلِ (قَوْلُهُ وَفِي كَذَا طُرُقٌ) أَيْ نَقُولُ وَقَوْلُهُ أَوْ طَرِيقَانِ أَيْ نَقْلًا فَيَأْتِي عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ إلَّا أَنَّهُ يَأْتِي تَفْسِيرُ التَّرَدُّدِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ بِالطُّرُقِ طَرِيقَةٌ تَحْكِي الِاتِّفَاقَ وَطَرِيقَةٌ تَحْكِي الْخِلَافَ كَمَا فِي قَوْلِهِ إلَّا بِسُكْرٍ فَتَرَدُّدٌ، وَهُوَ لَا يَأْتِي عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّقْلِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمَعْنَى لِتَرَدُّدِهِمْ فِي النَّقْلِ وَلَوْ بِاعْتِبَارِ الْفَهْمِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ الثَّانِيَ فِي كَلَامِهِ أَقَلُّ) أَيْ قَلِيلٌ أَوْ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَلِيلٌ فَأَفْعَلُ عَلَى بَابِهِ.

(قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ، وَفِي اعْتِبَارِ إلَخْ) الْمُتَبَادِرُ مِنْ عِبَارَتِهِ حَيْثُ عَدَّدَ أَمْثِلَةً وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا أَنَّ الْكَافَ اسْتِقْصَائِيَّةٌ لَا تُدْخِلُ شَيْئًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يُشِرْ بِهِ إلَخْ) وَقَدْ يُقَالُ لَوْ قَالَ تَرَدُّدٌ بِالرَّفْعِ وَحَكَاهُ بِالْقَوْلِ وَقَعَ فِي التَّطْوِيلِ بَلْ أَوْ بِدُونِهِ، وَهُوَ مُفْرَدٌ ارْتَكَبَ شُذُوذًا؛ لِأَنَّ حِكَايَةَ الْمُفْرَدِ شَاذَّةٌ إلَّا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْهُ أَوْ، وَهُوَ جُمْلَةٌ بِأَنْ يُقَدِّرَ الْخَبَرَ الْمُرَاعَى فِي مَوَاقِعِهِ مِنْ الْكِتَابِ أَدَّى إلَى حِكَايَةِ الْجُمَلِ بِدُونِ الْقَوْلِ كَذَا فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ (قَوْلُهُ إلَّا كَذَلِكَ) أَيْ إلَّا مَرْفُوعًا لَا مَنْصُوبًا أَيْ وَلَفْظُ الْمُصَنِّفِ يُفِيدُ أَنَّهُ أَعَمُّ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قِيلَ إلَخْ) السُّؤَالُ وَارِدٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَبِالتَّرَدُّدِ بِأَنْ يُقَالَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَا يُشِيرُ لَهُ إلَّا بِمَادَّةِ التَّرَدُّدِ مَعَ أَنَّهُ يُشِيرُ لَهُ بِغَيْرِهَا وَقَدْ يُقَالُ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنِّي مَتَى أَشَرْت بِتَرَدُّدٍ يَكُونُ لِكَذَا لَا أَنَّ الْمُرَادَ مَتَى كَانَ كَذَا أَشَرْت بِتَرَدُّدٍ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قِيلَ) سُؤَالٌ وَارِدٌ عَلَى هَذَا التَّصْوِيبِ أَيْ قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ إلَخْ (قَوْلُهُ إذَا جَزَمُوا بِالْحُكْمِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ بَعْضُهُمْ الْحُكْمُ الْوُجُوبُ وَبَعْضُهُمْ قَالَ النَّدْبُ (قَوْلُهُ وَبِالنَّظَرِ إذَا جَمَحُوا إلَخْ) أَيْ بِحَسَبِ الْغَالِبِ إذْ قَدْ يُشِيرُ بِالنَّظَرِ لِلِاعْتِرَاضِ (قَوْلُهُ وَوَقَفُوا) عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَالْأَحْسَنُ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ يُشِيرُ بِالتَّرَدُّدِ لِلتَّحَيُّرِ فِيمَا إذَا كَانَ لِوَاحِدٍ وَلِلْجَزْمِ بِالْحُكْمِ وَالِاخْتِلَافِ فِيهِ إذَا كَانَ لِأَكْثَرَ فَإِنَّ الْمُؤَلِّفَ اسْتَعْمَلَهُ فِيهِمَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015