وَذَلِكَ لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ فَلَا يَجْزِي عَنْ الْوَاجِبِ اهـ. زَادَ ابْنُ غَازِيٍّ وَفِي النَّفْسِ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ شَيْءٌ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ جَعَلَ عِلَّةَ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ الْمُخَالِفَةَ مَعَ أَنَّهَا مَوْجُودَةٌ فِيمَا إذَا أَمِنُوا مَعَ أَنَّ النَّصَّ وُجُوبُ إقَامَتِهَا وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَاسْتِئْذَانُ إمَامٍ بِالْمَصْدَرِ لَكَانَ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْفِعْلِ الْمُشْعِرِ بِالْوُجُوبِ وَالصَّوَابُ ضَبْطُ لَمْ تُجْزِ بِضَمِّ التَّاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ مِنْ الْإِجْزَاءِ لَا بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الْجِيمِ مِنْ الْجَوَازِ كَمَا ضَبَطَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُورِيُّ إذْ لَا يَتَأَتَّى بَعْدُ التَّصْرِيحُ بِالضَّمِيرِ فِي قَوْلِ الطِّرَازِ عَنْ مَالِكٍ لَمْ تَجْزِهِمْ لِأَنَّهَا مَحَلُّ اجْتِهَادٍ إلَخْ
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مَنْدُوبَاتِ الْجُمُعَةِ شَرَعَ فِي مَسْنُونَاتِهَا وَجَائِزَاتِهَا وَمَكْرُوهَاتِهَا وَعُذْرِ تَرْكِهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ فَقَالَ
(ص) وَسُنَّ غُسْلٌ مُتَّصِلٌ بِالرَّوَاحِ وَلَوْ لَمْ تَلْزَمْهُ وَأَعَادَ إنْ تَغَذَّى، أَوْ نَامَ اخْتِيَارًا لَا لِأَكْلٍ خَفَّ (ش) وَالْمَعْنَى أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ عَلَى كُلِّ مَنْ حَضَرَهَا وَلَوْ لَمْ تَلْزَمْهُ مِنْ مُسَافِرٍ وَعَبْدٍ وَامْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ، كَانَ ذَا رَائِحَةٍ كَالْقَصَّابِ وَالْحَوَّاتِ أَيْ اللَّحَّامِ وَالسَّمَّاكِ أَوْ لَا وَقَيَّدَ اللَّخْمِيُّ سُنِّيَّةَ الْغُسْلِ بِمَنْ لَا رَائِحَةَ لَهُ وَإِلَّا وَجَبَ كَالْقَصَّابِ وَنَحْوِهِ وَشَرْطُ الْغُسْلِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَكُونَ نَهَارًا فَلَا يَجْزِي قَبْلَ الْفَجْرِ بِنِيَّةٍ وَمُطْلَقٌ وَصِفَتُهُ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ وَأَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالرَّوَاحِ إلَى الْجَامِعِ وَهُوَ لِلصَّلَاةِ لَا لِلْيَوْمِ فَلَا يُفْعَلُ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَإِنْ فَصَلَ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالرَّوَاحِ إلَى الْجَامِعِ بِالْغِذَاءِ، أَوْ النَّوْمِ اخْتِيَارًا أَعَادَهُ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ عَامِدًا، أَوْ نَاسِيًا أَمَّا لَوْ اتَّصَلَ الْغُسْلُ بِالرَّوَاحِ وَنَامَ، أَوْ تَغَذَّى فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يُطْلَبُ بِإِعَادَةِ الْغُسْلِ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَظَاهِرُ كَلَامِ شُرَّاحِهِ أَنَّ قَيْدَ الِاخْتِيَارِ رَاجِعٌ لِلنَّوْمِ فَقَطْ لَكِنْ رُبَّمَا يُقَالُ إنَّ مَنْ أَكَلَ لِشِدَّةِ جُوعٍ أَوْ لِإِكْرَاهٍ أَعْذَرُ مِمَّنْ نَامَ غَلَبَةً وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ فَعَلَ مَا ذُكِرَ فِي طَرِيقِهِ، أَوْ بَعْدَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأُمِّ أَنَّ فِعْلَهُ بَعْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ لَا يَضُرُّ فِي الِاتِّصَالِ لِقَوْلِهَا وَإِنْ تَغَذَّى، أَوْ نَامَ بَعْدَ غُسْلِهِ أَعَادَ حَتَّى يَكُونَ غُسْلُهُ مُتَّصِلًا بِالرَّوَاحِ اهـ.
وَكَذَا فِي السَّنْهُورِيِّ، وَأَمَّا الْأَكْلُ الْخَفِيفُ الَّذِي لَا يُذْهِبُ الْغُسْلَ فَلَا يَضُرُّ فَقَوْلُهُ لَا لِأَكْلٍ خَفَّ مَعْطُوفٌ عَلَى مَعْنَى إنْ تَغَذَّى أَيْ وَأَعَادَ لِلتَّغَذِّي، أَوْ لِلنَّوْمِ لَا لِأَكْلٍ خَفَّ
(ص) وَجَازَ تَخَطٍّ قَبْلَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلدَّاخِلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَى الْجَامِعِ تَخَطِّي رِقَابِ الْجَالِسِينَ فِيهِ قَبْلَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْبَرِ لِفُرْجَةٍ وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهَا، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَيَحْرُمُ وَلَوْ لِفُرْجَةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: مُتَّصِلٌ بِالرَّوَاحِ) فِي ك وُجِدَ عِنْدِي مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: يُقَالُ رَاحَ إلَى الْمَسْجِدِ أَيْ مَضَى قَالَ وَتَوَهَّمَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّ الرَّوَاحَ لَا يَكُونُ إلَّا آخِرَ النَّهَارِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الرَّوَاحَ وَالْغُدُوَّ عِنْدَ الْعَرَبِ يُسْتَعْمَلَانِ فِي السَّيْرِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَيُقَالُ رَاحَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَفِي آخِرِهِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِإِزَالَةِ الْأَوْسَاخِ وَالْأَقْذَارِ، وَعَدَمُ الِاتِّصَالِ مُؤْذِنٌ بِحُصُولِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ) وَمُقَابِلُهُ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ وَإِنْ ذَكَرَهُ بِالْمَسْجِدِ اُسْتُحِبَّ خُرُوجُهُ لَهُ وَإِنْ فَاتَتْهُ الْخُطْبَةُ، وَإِنْ كَانَ يَفُوتُهُ بَعْضُ الصَّلَاةِ فَلَا يَخْرُجُ وَيُصَلِّي بِغَيْرِ غُسْلٍ قَالَهُ فِي تَعَالِيقِ ابْنِ هَارُونَ وَفِي الْإِكْمَالِ مَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْخُرُوجِ لِظَاهِرِ إنْكَارِ عُمَرَ عَلَى عُثْمَانَ؛ وَلِأَنَّ سَمْعَ الْخُطْبَةِ وَاجِبٌ وَلَا يُتْرَكُ لِسُنَّةٍ قَالَ بَعْضٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَمَا فِي التَّعَالِيقِ جَارٍ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَصَبِيٍّ) أَوْرَدَ الْبَدْرُ أَنَّ الصَّبِيَّ وَمَنْ مَعَهُ مُخَاطَبٌ بِالْجُمُعَةِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ فَكَيْفَ يَكُونُ الْغُسْلُ سُنَّةً لِمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ (قَوْلُهُ: أَيْ اللَّحَّامُ) تَفْسِيرٌ لِلْقَصَّابِ وَقَوْلُهُ وَالسَّمَّاكُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَالْحَوَّاتُ يُقَالُ قَصَبْتُ الشَّاةَ قَصْبًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ: قَطَّعْتُهَا عُضْوًا عُضْوًا وَالْفَاعِلُ قَصَّابٌ أَفَادَهُ فِي الْمِصْبَاحِ فَمَعْنَى الْقَصَّابِ الْقَطَّاعُ لِلشَّاةِ عُضْوًا عُضْوًا (قَوْلُهُ بِمَنْ لَا رَائِحَةَ لَهُ) أَيْ تَضُرُّ بِالنَّاسِ وَقَيْدُهُ ظَاهِرٌ.
(قَوْلُهُ: وَصِفَتُهُ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً وَخَبَرًا وَأَنْ يَكُونَ صِفَةً مَعْطُوفًا عَلَى الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ يَكُونُ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالرَّوَاحِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الِاتِّصَالَ لَيْسَ مِنْ تَمَامِ السُّنَّةِ وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمَشْهُورُ شَرْطُ وَصْلِهِ بِرَوَاحِهَا وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ جَعْلُهُ صِفَةً لِغُسْلٍ أَيْ بِالرَّوَاحِ الْمَطْلُوبِ عِنْدَنَا وَهُوَ التَّهْجِيرُ فَلَوْ رَاحَ قَبْلَهُ مُتَّصِلًا بِهِ لَمْ يَجْزِهِ وَفِيهِ خِلَافٌ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ إنْ اغْتَسَلَ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَرَاحَ فَلَا يُجْزِئُهُ وَقَالَ مَالِكٌ: يُعْجِبُنِي.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ يُجْزِئُهُ وَاسْتَحْسَنَهُ اهـ.
وَيَسِيرُ الْفَصْلِ عَفْوٌ كَمَا فِي شَرْحِ شب (قَوْلُهُ: أَعَادَهُ) أَيْ اسْتِنَانًا وَكَذَا يُعِيدُهُ إذَا حَصَلَ عَرَقٌ أَوْ صُنَانٌ أَوْ خُرُوجٌ مِنْ الْمَسْجِدِ مُتَبَاعِدًا (قَوْلُهُ: أَوْ تَغَذَّى فِي الْمَسْجِدِ) اعْلَمْ أَنَّ الْغِدَاءَ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ هُوَ مَا يُؤْكَلُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَأَمَّا الْغِذَاءُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ مَا يُغْتَذَى بِهِ سَوَاءٌ كَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ أَوْ آخِرَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ بِالْمُهْمَلَةِ يَكُونُ قَاصِرًا عَلَى مَا إذَا كَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ وَإِذَا قَرَأْنَاهُ بِالْمُعْجَمَةِ يَكُونُ شَامِلًا لِمَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَمَا بَعْدَهُ، فَقِرَاءَتُهُ بِالْمُعْجَمَةِ أَوْلَى كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ رُبَّمَا يُقَالُ) قَالَ عب: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْأَكْلِ بِهِ أَيْضًا لِيُخْرِجَ مَنْ أَكَلَ لِشِدَّةِ جُوعٍ أَوْ إكْرَاهٍ (قَوْلُهُ: إنْ فَعَلَهُ بَعْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ لَا يَضُرُّ) بَلْ وَظَاهِرُهَا أَنَّ أَكْلَهُ مَاشِيًا لَا يَضُرُّ كَشُرْبِهِ مَاشِيًا، وَاسْتَظْهَرَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْأَكْلُ الْخَفِيفُ) قَصَرَ الْخِفَّةَ عَلَى الْأَكْلِ وَكَلَامُ ابْنِ حَبِيبٍ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْخِفَّةِ بَيْنَ الْأَكْلِ وَالنَّوْمِ فَالنَّوْمُ إذَا لَمْ يَطُلْ لَا يَضُرُّ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ إنْ تَغَذَّى أَوْ نَامَ، هَذَا إذَا أَطَالَ أَمْرَهُ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا خَفِيفًا لَمْ يَعُدَّهُ وَكَذَا لَا يَبْطُلُ بِنَقْضِ وُضُوئِهِ وَلَوْ قَبْلَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ وَاسْتُظْهِرَ نَقْضُهُ بِالْجَنَابَةِ وَكَذَا لَا يَنْتَقِضُ بِإِصْلَاحِ ثِيَابِهِ وَتَبْخِيرِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَا بِشِرَائِهِ مَارًّا فِي طَرِيقِهِ إنْ خَفَّ (قَوْلُهُ: أَيْ وَأَعَادَ لِلتَّغَذِّي أَوْ لِلنَّوْمِ. . إلَخْ) هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُقَالُ لَهُ غِذَاءٌ إلَّا إذَا كَانَ كَثِيرًا.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا بَعْدَهُ فَيَحْرُمُ وَلَوْ لِفُرْجَةٍ) فَظَاهِرُهُ وَلَوْ فِي حَالِ لَغْوِهِ قَالَ عج وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ مَا جَرَى فِي الصَّلَاةِ قَالَ عب: وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ عِلَّةَ مَنْعِ التَّخَطِّي وَهِيَ أَذِيَّةُ الْجَالِسِينَ مَوْجُودَةٌ حَتَّى حَالَ لَغْوِهِ وَعِلَّةَ جَوَازِ الْكَلَامِ وَالصَّلَاةِ عِنْدَ لَغْوِهِ عَدَمُ حُرْمَتِهِ عَلَى سَامِعِيهِ اهـ.