لَكِنْ إنْ كَانَ لَمَّا ظَهَرَ لَهُ أَوْ رَجَّحَهُ أَوْ اخْتَارَهُ مِنْ نَفْسِهِ فَيُشِيرُ لِذَلِكَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي كَظَهَرَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَقْوَالِ الْخِلَافِيَّةِ فَيُشِيرُ لَهُ بِصِيغَةِ الِاسْمِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ كَذَلِكَ وَابْنُ رُشْدٍ هُوَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رُشْدٍ يُكْنَى بِأَبِي الْوَلِيدِ قُرْطُبِيٌّ فَقِيهُ وَقْتِهِ وَتَفَقَّهَ بِأَقْطَارِ الْأَنْدَلُسِ وَالْمَغْرِبِ الْمَعْرُوفِ بِصِحَّةِ النَّظَرِ وَجَوْدَةِ التَّأْلِيفِ وَدِقَّة الْفِقْهِ وَكَانَ إلَيْهِ الْمَفْزَعُ فِي الْمُشْكِلَاتِ مَاتَ لَيْلَةَ الْأَحَدِ حَادِي عَشَرَ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ عِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ الْعَبَّاسِ وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُهُ أَبُو الْقَاسِمِ وَكَانَ الثَّنَاءُ عَلَيْهِ جَمِيلًا وَالتَّفَجُّعُ عَلَيْهِ جَلِيلًا وَمَوْلِدُهُ سَنَةَ خَمْسِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ.

(ص) وَبِالْقَوْلِ لِلْمَازِرِيِّ كَذَلِكَ (ش) أَيْ وَمُشِيرًا بِمَادَّةِ الْقَوْلِ لِقَوْلِ الْمَازِرِيِّ لَكِنْ إنْ كَانَ لِمَا ظَهَرَهُ أَوْ رَجَّحَهُ أَوْ اخْتَارَهُ مِنْ رَأْيِهِ فَيُشِيرُ لَهُ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي كَقَالَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَقْوَالِ الْمَذْهَبِ فَيُشِيرُ لَهُ بِصِيغَةِ الِاسْمِ، وَهُوَ لَفْظُ الْمَقُولِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ كَذَلِكَ لَكِنْ لَمْ يَتَّفِقْ لَلْمُؤَلِّفِ إطْلَاقُ صِيغَةِ الْفِعْلِ عَلَى مَعْنَى رَجَّحَ بَلْ إنَّمَا يُرِيدُ بِهَا مُجَرَّدَ حِكَايَةِ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ وَالتَّرْجِيحُ إنْ كَانَ فَإِنَّمَا هُوَ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ لَا مِنْ لَفْظِ قَالَ تَأَمَّلْ، وَأَمَّا صِيغَةُ الِاسْمِ فَمُسَلَّمٌ وَالْمَازِرِيُّ هُوَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ التَّمِيمِيُّ الْمَازِرِيُّ يُعْرَفُ بِالْإِمَامِ أَصْلُهُ مِنْ مَازِرَةَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَكَسْرِهَا مَدِينَةٌ فِي جَزِيرَةِ صِقِلِّيَةَ نَزَلَ الْمَهْدِيَّةَ إمَامَ بِلَادِ أَفْرِيقِيَّةَ وَمَا وَرَاءَهَا مِنْ الْمَغْرِبِ. وَيُحْكَى أَنَّهُ رَأَّى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَقُّ مَا يَدْعُونَنِي بِهِ فَقَالَ لَهُ وَسَّعَ اللَّهُ صَدْرَك لِلْفُتْيَا وَكَانَ آخِرَ الْمُشْتَغِلِينَ بِإِفْرِيقِيَةَ بِتَحْقِيقِ الْعِلْمِ وَرُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ وَدِقَّةِ النَّظَرِ وَكَانَ يُفْزَعُ إلَيْهِ فِي الْفُتْيَا فِي الطِّبِّ كَمَا يُفْزَعُ إلَيْهِ فِي الْفُتْيَا فِي الْفِقْهِ وَيُحْكَى أَنَّ سَبَبَ اشْتِغَالِهِ فِي الطِّبِّ أَنَّهُ مَرِضَ فَكَانَ يَطِبُّهُ يَهُودِيٌّ فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ يَا سَيِّدِي وَمِثْلِي يَطِبُّ مِثْلَكُمْ وَأَيُّ قُرْبَةٍ أَجِدُهَا أَتَقَرَّبُ بِهَا فِي دِينِي مِثْلَ أَنْ أَفْقِدَكُمْ فَحِينَئِذٍ اشْتَغَلَ بِالطِّبِّ وَمِمَّنْ أَخَذَ عَنْهُ بِالْإِجَازَةِ الْقَاضِي عِيَاضٌ تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ وَقَدْ نَيَّفَ سِنُّهُ عَلَى الثَّمَانِينَ وَبِقَوْلِنَا فِيمَا تَقَدَّمَ بِمَادَّةِ الظُّهُورِ أَوْ التَّرْجِيحِ أَوْ الِاخْتِيَارِ يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ إنَّ التَّقْسِيمَ إلَى اسْمٍ وَفِعْلٍ لَا يَصِحُّ لِمُنَافَاتِهِ الْمُقْسَمَ لِكَوْنِهِ اسْمًا فَقَطْ وَتَخْصِيصُهُ الشُّيُوخَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ مُجَرَّدُ اصْطِلَاحٍ لِقَصْدِ التَّمْيِيزِ لَا أَنَّ مَنْ نُسِبَ إلَيْهِ بَعْضُهَا رَجَحَ بِذَلِكَ إذْ كَثِيرًا مَا يُشِيرُ بِالظُّهُورِ.

لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ الْأَصَحِّ يُعْلَمُ ذَلِكَ بِتَصَفُّحِ مَسَائِلِهِمْ وَلِيُعْلَمَ أَنَّ الْمُرَادَ مَتَى ذَكَرَ ذَلِكَ فَهُوَ إشَارَةٌ إلَى التَّرْجِيحِ لَا أَنَّ الْمُرَادَ مَتَى رَجَّحَ بَعْضُهُمْ شَيْئًا أَشَارَ إلَيْهِ حَتَّى يَعْتَرِضَ بِوُجُودِ تَرْجِيحَاتٍ كَثِيرَةٍ لَهُمْ لَمْ يُشِرْ إلَيْهَا وَلَمْ يَذْكُرْهُمْ الْمُؤَلِّفُ عَلَى تَرْتِيبِهِمْ فِي الْوُجُودِ وَأَقْدَمُهُمْ ابْنُ يُونُسَ الصَّقَلِّيُّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ، ثُمَّ اللَّخْمِيُّ، ثُمَّ ابْنُ رُشْدٍ، ثُمَّ الْمَازِرِيُّ وَاخْتَارَ عَدَدَ الْأَرْبَعَةِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ إنْ كَانَ لِمَا ظَهَرَ لَهُ إلَخْ) هَذَا التَّنْوِيعُ لُحِظَ فِيهِ الصِّيغَةُ الصَّادِرَةُ مِنْهُ أَمَّا مَادَّةُ الظُّهُورِ أَوْ التَّرْجِيحِ أَوْ غَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ بِأَقْطَارِ الْأَنْدَلُسِ) أَيْ نَوَاحِي الْأَنْدَلُسِ وَنَوَاحِي الْمَغْرِبِ أَوْ بِقُطْرَيْنِ هُمَا الْأَنْدَلُسُ وَالْمَغْرِبُ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْأَنْدَلُسَ إقْلِيمٌ آخَرُ غَيْرُ الْمَغْرِبِ (قَوْلُهُ بِصِحَّةِ النَّظَرِ) أَيْ الْفِكْرِ وَقَوْلُهُ وَكَانَ إلَيْهِ الْمَفْزَعُ أَيْ الْفَزَعُ (قَوْلُهُ بِمَقْبَرَةِ الْعَبَّاسِ) لَا أَدْرِي كَيْفَ كَانَ هُوَ (قَوْلُهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ) أَيْ كَانَ إمَامًا (قَوْلُهُ وَالتَّفَجُّعُ) أَيْ حُزْنُ النَّاسِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ لِمَا ظَهَرَهُ إلَخْ) نَاظِرٌ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ لِلصِّيغَةِ الصَّادِرَةِ مِنْهُ (قَوْلُهُ إنْ كَانَ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّرْجِيحَ لَيْسَ بِلَازِمٍ مِنْ كَلَامِهِ.

(قَوْلُهُ لَا مِنْ لَفْظِ قَالَ) كَقَوْلِ الْمُصَنِّفِ قَالَ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ فَالتَّرْجِيحُ مِنْ قَوْلِهِ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ وَاعْتُرِضَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُرِدْ حِكَايَةَ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ كَمَا ادَّعَى مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْ قَالَ فِي مَعْنَى رَجَّحَ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الْمَازِرِيَّ لَمَّا جَزَمَ بِذَلِكَ أَفَادَ تَرْجِيحَهُ لَهُ فَقَوْلُهُ قَالَ وَكَذَا شَيْءٌ وَقَوْلُهُ قَالَ، وَإِنْ قَالَ أَقَرَّ عَنِي بِأَلْفٍ فَإِقْرَارٌ يُسْتَفَادُ مِنْهُ تَرْجِيحُ مَا ذَكَرَهُ لِكَوْنِهِ جَزَمَ بِهِ حُكْمًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ ظَاهِرٌ بِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ قَالَ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ بِالنِّسْبَةِ لِقَوْلِهِ قَالَ وَكَذَا شَيْءٌ وَنَحْوُهُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ نَزَلَ الْمَهْدِيَّةَ) بَلْدَةٌ مِنْ أَعْمَالِ تُونِسَ (قَوْلُهُ إمَامَ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ كَمَا هُوَ مَضْبُوطٌ بِالْقَلَمِ فِي نُسْخَتِهِ (قَوْلُهُ أَحَقُّ مَا يَدْعُونَنِي بِهِ) أَيْ، وَهُوَ إمَامٌ أَيْ فَصَارَ إمَامُ لَقَبًا عَلَيْهِ وَمَا يَدْعُونَنِي فَاعِلٌ بِأَحَقَّ سَادٌّ مَسَدَ الْخَبَرِ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَنِي مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ حَقٌّ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ (قَوْلُهُ فَقَالَ لَهُ وَسَّعَ إلَخْ) لَمْ يُجِبْهُ الْمُصْطَفَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَلْ دَعَا لَهُ بِمَا هُوَ أَنْفَعُ وَمُسْتَلْزِمٌ لِجَوَابِهِ عُرْفًا أَيْ مَلَأَ اللَّهُ صَدْرَك عِلْمًا حَتَّى لَا يَشُقُّ عَلَيْك مَا يَرِدُ مِنْ أَسْئِلَةِ السَّائِلِينَ أَوْ زَادَ اللَّهُ فِي حُسْنِ خُلُقِك حَتَّى لَا تَسْأَمَ مِمَّا ذَكَرَ (قَوْلُهُ رُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ) أَيْ اجْتِهَادِ الْفَتْوَى فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ فَكَانَ يَطِبُّهُ) مِنْ بَابِ ضَرَبَ.

(قَوْلُهُ مِثْلَ أَنْ أَفْقِدَكُمْ) مِنْ بَابِ ضَرَبَ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ أَيْ فَالْقَافُ مَكْسُورَةٌ (قَوْلُهُ رَجَحَ بِذَلِكَ) أَيْ بِخُصُوصِ الظُّهُورِ أَوْ التَّرْجِيحِ أَوْ الْقَوْلِ أَوْ الِاخْتِيَارِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُخَالِفُ ظَاهِرَ مَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي اللَّخْمِيِّ حَيْثُ قَالَ؛ لِأَنَّهُ أَجْرَؤُهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَعِبَارَةُ الْحَطَّابِ أَحْسَنُ وَنَصُّهُ وَخَصَّهُمْ بِالتَّعْيِينِ لِكَثْرَةِ تَصَرُّفِهِمْ فِي الِاخْتِيَارِ وَبَدَأَ بِاللَّخْمِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَجْرَؤُهُمْ عَلَى ذَلِكَ؛ وَلِذَلِكَ خَصَّهُ بِمَادَّةِ الِاخْتِيَارِ وَخَصَّ ابْنَ يُونُسَ بِالتَّرْجِيحِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ اجْتِهَادِهِ فِي الْمَيْلِ مَعَ بَعْضِ أَقْوَالِ مَنْ سَبَقَهُ وَمَا يَخْتَارُ لِنَفْسِهِ قَلِيلٌ وَخَصَّ ابْنَ رُشْدٍ بِالظُّهُورِ لِاعْتِمَادِهِ كَثِيرًا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ فَيَقُولُ يَأْتِي عَلَى رِوَايَةِ كَذَا كَذَا وَظَاهِرُ مَا فِي سَمَاعِ كَذَا كَذَا وَخَصَّ الْمَازِرِيَّ بِالْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَوِيَتْ عَارِضَتُهُ فِي الْعُلُومِ وَتَصَرَّفَ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُجْتَهِدِينَ كَانَ صَاحِبَ قَوْلٍ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ اهـ.

وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى إنَّمَا ذَكَرَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَا وَقَعَ لَهُمْ مِنْ التَّعَبِ فِي تَحْرِيرِ الْمَذْهَبِ وَتَهْذِيبِهِ وَتَرْتِيبِهِ (قَوْلُهُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُجَوِّزُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015