أَنَسٍ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا أَنَسُ إذَا هَمَمْت بِأَمْرٍ فَاسْتَخِرْ رَبَّك سَبْعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ اُنْظُرْ إلَى الَّذِي سَبَقَ إلَى قَلْبِك فَإِنَّ الْخَيْرَ فِيهِ» النَّوَوِيُّ وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، ثُمَّ قَالَ وَلَوْ تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ اسْتَخَارَ بِالدُّعَاءِ انْتَهَى وَإِنَّمَا أَتَى بِالْفَاءِ فِي قَوْلِهِ فَأَجَبْت دُونَ ثُمَّ لِلْإِشَارَةِ إلَى عَدَمِ التَّأَخُّرِ مُدَّةً تَضُرُّ بِهِمْ وَقَوْلُهُ: " سُؤَالَهُمْ " حَشْوٌ؛ لِأَنَّ الْمُجَابَ السَّائِلُ لَا السُّؤَالُ فَكَانَ يَقُولُ فَأَجَبْتهمْ لَكِنْ إذَا أَجَابَ سُؤَالَهُمْ فَقَدْ أَجَابَهُمْ وَقِيلَ إنَّمَا أَقْحَمَ السُّؤَالَ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْ سُؤَالِهِمْ شَيْئًا بَلْ أَتَى بِهِ مُقَيَّدًا بِالْقُيُودِ الثَّلَاثَةِ.

(ص) مُشِيرًا بِفِيهَا لِلْمُدَوَّنَةِ (ش) هُوَ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ أَجَبْت؛ لِأَنَّ إجَابَتَهُ سُؤَالُهُمْ إنَّمَا هُوَ بِوَضْعِ الْمُخْتَصَرِ، وَهُوَ حَالَةُ الْوَضْعِ مُشِيرٌ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ سُؤَالِهِمْ بِمَعْنَى مَسْئُولِهِمْ كَمَا لَا يَخْفَى وَمَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّهُ يَقُولُ مَهْمَا قُلْت وَفِيهَا وَمِنْهَا وَظَاهِرُهَا وَحَمَلْت وَقَيَّدْت وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ كُلِّ ضَمِيرٍ غَائِبٍ مُؤَنَّثٍ عَائِدٍ لِغَيْرِ مَذْكُورٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ إشَارَةً لِلْمُدَوَّنَةِ وَصَحَّ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَيْهَا غَيْرَ مَذْكُورَةٍ لِتَقَرُّرِهَا فِي أَذْهَانِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ حَتَّى قَالَ مَشَايِخُهُمْ أَنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ «فَاسْتَخِرْ رَبَّك سَبْعَ مَرَّاتٍ» ) بِتَكَرُّرِ الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ (قَوْلُهُ «، ثُمَّ اُنْظُرْ إلَى الَّذِي سَبَقَ فِي قَلْبِك» ) أَيْ فَيَمْضِي لِمَا انْشَرَحَ لَهُ صَدْرُهُ الْمُرَادُ انْشِرَاحٌ خَالٍ عَنْ هَوَى النَّفْسِ وَمَيْلِهَا الْمَصْحُوبِ بِغَرَضٍ ظَاهِرٍ أَوْ بَاطِنٍ يُجَمِّلُهُ وَيُزَيِّنُهُ لِلْقَلْبِ حَتَّى يَكُونَ سَبَبًا لِمَيْلِهِ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَيُوَافِقُهُ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُفْرِغَ قَلْبَهُ مِنْ جَمِيعِ الْخَوَاطِرِ حَتَّى لَا يَكُونَ مَائِلًا إلَى أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ فَعِنْدَ ذَلِكَ مَا يَسْبِقُ إلَى قَلْبِهِ يُعْمَلُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْخَيْرَ فِيهِ.

(تَنْبِيهٌ) : كَانَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ يَسْتَخِيرُ لِلْغَيْرِ وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ» أَنَّ الْإِنْسَانَ يَسْتَخِيرُ لِغَيْرِهِ وَالْحَدِيثُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِمَا ذَكَرَ شَيْءٌ كَمَا فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ (قَوْلُهُ «وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى» ) قَالَ الشَّيْخُ خِضْرُ الشَّافِعِيُّ وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ أَنْ يَزِيدَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى قَوْله تَعَالَى {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص: 68] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَمَا يُعْلِنُونَ} [القصص: 69] وَفِي الثَّانِيَةِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ} [الأحزاب: 36] الْآيَةَ اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ قَالَ) أَيْ ابْنُ السُّنِّيِّ وَإِنَّمَا أَتَى بِثُمَّ إشَارَةً إلَى حَذْفٍ فِي كَلَامِهِ كَمَا قَيَّدَ بِهِ بَعْضُ الشُّيُوخِ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ) أَيْ لِكَوْنِهِ لَيْسَ وَقْتَ نَفْلٍ أَوْ لَمْ يَجِدْ مَا يَتَطَهَّرُ بِهِ (قَوْلُهُ عَدَمِ التَّأَخُّرِ مُدَّةً تَضُرُّ بِهِمْ) وَالتَّعْقِيبُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِجَابَةَ إمَّا بِوَضْعِ التَّأْلِيفِ أَوْ بِالشُّرُوعِ فِيهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُجَابَ السَّائِلُ إلَخْ) أَيْ فَالْإِجَابَةُ حَقُّهَا أَنْ تَقَعَ عَلَى السَّائِلِ فَإِيقَاعُهَا عَلَى السُّؤَالِ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَقَوْلُهُ لَكِنْ إذَا أَجَابَ السُّؤَالَ أَيْ عَلَى جِهَةِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ وَأَتَى بِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ لَهُ وَجْهَ صِحَّةٍ فِي الْجُمْلَةِ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّهُ لَا صِحَّةَ لَهُ (قَوْلُهُ وَقِيلَ إنَّمَا أَقْحَمَ السُّؤَالَ) عَبَّرَ بِأَقْحَمَ نَظَرًا لِكَوْنِهِ لَيْسَ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِيقَةِ أَيْ وَأَتَى بِهِ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ الْإِيقَاعِيِّ (قَوْلُهُ مُقَيَّدًا بِالْقُيُودِ الثَّلَاثَةِ) ، وَهُوَ كَوْنُهُ مُخْتَصَرًا عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ مُبَيِّنًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَيْدَ الْوَسَطُ، وَهُوَ كَوْنُهُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ إنَّمَا هُوَ مِنْ قَرِينَةِ الْمَقَامِ لَا أَنَّهُمْ نَطَقُوا بِالسُّؤَالِ فِيهِ فَتَدَبَّرْ

1 -

(قَوْلُهُ إنَّمَا هُوَ بِوَضْعِ الْمُخْتَصَرِ) هَذَا عَلَى أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ لَهُ، وَأَمَّا عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي فَيُقَالُ فِي قَوْلِهِ مُشِيرًا أَيْ مُقَدِّرًا الْإِشَارَةَ فَيَكُونُ حَالًا مُنْتَظِرَةً؛ لِأَنَّهُ حِينَ الشُّرُوعِ لَمْ يَكُنْ مُشِيرًا بِالْفِعْلِ (قَوْلُهُ كَمَا لَا يَخْفَى) ؛ لِأَنَّ مَسْئُولَهُمْ لَيْسَ هُوَ الْمُشِيرُ، وَقَدْ يُقَالُ بِصِحَّتِهِ عَلَى طَرِيقِ الْإِسْنَادِ الْمَجَازِيِّ كَمَا فِي مُبِينًا لِمَا بِهِ الْفَتْوَى.

(قَوْلُهُ وَمَعْنَى كَلَامِهِ) إنَّمَا عَبَّرَ بِمَعْنَى إلَخْ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَبَادِرٍ مِنْ لَفْظِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ وَحُمِلَتْ وَقُيِّدَتْ) أَيْ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ فَسَّرْت وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي أَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ إذَا حُمِلَتْ الْمُدَوَّنَةُ عَلَى شَيْءٍ وَلَمْ يَحْمِلْهَا أَحَدٌ عَلَى غَيْرِهِ لَا يَجِيءُ إلَّا ذَلِكَ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ مِنْ كُلِّ ضَمِيرٍ غَائِبٍ مُؤَنَّثٍ إلَخْ) أَيْ فِي الْأَغْلَبِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أُشِيرَ لَهَا بِضَمِيرِ الْمُذَكَّرِ فِي مَوْضِعَيْنِ هُمَا قَوْلُهُ فِي الْحَجِّ وَقَيْدُ إنْ أَمِنَ وَقَوْلُهُ فِي الشَّرِكَةِ وَقَيَّدَ بِمَا إذَا لَمْ يَبْدُ وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَامِ مَا يَصْرِفُ الْإِشَارَةَ بِالضَّمِيرِ الْمَذْكُورِ لِغَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ كَقَوْلِهِ فِي التَّلْبِيَةِ وَتَوَسَّطَ فِي عُلُوِّ صَوْتِهِ، وَفِيهَا وَعَاوَدَهَا أَيْ التَّلْبِيَةَ وَقَوْلُهُ فِي الطَّلَاقِ لَا مَحْلُوفٍ لَهَا فَفِيهَا وَغَيْرِهَا.

(فَائِدَةٌ) الْأُمَّهَاتُ أَرْبَعٌ الْمُدَوَّنَةُ وَالْمَوَّازِيَّةُ وَالْعُتْبِيَّةُ وَالْوَاضِحَةُ فَالْمُدَوَّنَةُ لِسَحْنُونٍ وَالْعُتْبِيَّةُ لِلْعُتْبِيِّ وَالْمَوَّازِيَّةُ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ وَالْوَاضِحَةُ لِابْنِ حَبِيبٍ وَيُقَالُ إنَّ الدَّوَاوِينَ سَبْعَةٌ الْأَرْبَعَةُ الْأُوَلُ وَالْمُخْتَلِطَةُ وَالْمَبْسُوطَةُ وَالْمَجْمُوعَةُ فَالْمَجْمُوعَةُ لِابْنِ عَبْدُوسٍ وَالْمَبْسُوطَةُ لِلْقَاضِي إسْمَاعِيلَ وَالْمُخْتَلِطَةُ لِابْنِ الْقَاسِمِ انْتَهَى ك وَلَا يَخْفَى مَا فِي عَدِّهَا سَبْعًا مِنْ التَّسَامُحِ؛ لِأَنَّ الْمُدَوَّنَةَ هِيَ نَفْسُ الْمُخْتَلِطَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا تِلْكَ الْفَائِدَةَ لِوُقُوعِ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ فِي كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَصَحَّ إلَخْ) لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ اصْطِلَاحَهُ يُصَحِّحُ الْإِشَارَةَ وَلَوْ فُرِضَ أَنَّهَا لَمْ تُقَرَّرْ فِي أَذْهَانِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ (قَوْلُهُ فِي أَذْهَانِ) الْأَذْهَانُ جَمْعُ ذِهْنٍ، وَهُوَ قُوَّةٌ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَعُدَّ النَّفْسَ لِاكْتِسَابِ الْآرَاءِ وَالْفَهْمُ اسْتِعْمَالُهَا وَالذَّكَاءُ أَنْ يَكُونَ سُرْعَةُ إنْتَاجِ الْقَضَايَا وَسُهُولَةُ اسْتِخْرَاجِ النَّتَائِجِ مَلَكَةً لِلنَّفْسِ كَالْبَرْقِ الْأَلْمَعِ بِوَاسِطَةِ كَثْرَةِ مُزَاوَلَةِ الْمُقَدِّمَاتِ الْمُنْتِجَةِ كَذَا قِيلَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْفَهْمَ نَاشِئٌ عَنْ اسْتِعْمَالِ تِلْكَ الْقُوَّةِ (قَوْلُهُ حَتَّى قَالَ مَشَايِخُهُمْ) أَيْ كَابْنِ رُشْدٍ فِيهِ شَيْءٌ لَكِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْمُبَالَغَةِ بِالْمَدْحِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ.

(فَائِدَةٌ) وَإِذَا أُطْلِقَ الْكِتَابُ فَإِنَّمَا يُرِيدُونَهَا لِصَيْرُورَتِهِ عِنْدَهُمْ عَلَمًا بِالْغَلَبَةِ عَلَيْهَا كَالْقُرْآنِ عِنْدَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَكِتَابِ سِيبَوَيْهِ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015