الْمَعْرِفَةِ عَلَى النَّكِرَةِ وَالْعَكْسُ بِإِجْمَاعِ النُّحَاةِ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى مَعْطُوفٌ عَلَى فَاعِلِ تَأَكَّدَ وَبِهَذَا سَقَطَ اعْتِرَاضُ الشَّارِحِ مَعَ أَنَّ كَلَامَهُ يُفَوِّتُ إفَادَةَ التَّأْكِيدِ، وَعَطَفَهُ الْبِسَاطِيُّ عَلَى الظَّرْفِ وَالتَّقْدِيرُ: وَتَأَكَّدَ أَيْ: النَّفَلُ فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ وَفِي وَقْتِ الضُّحَى وَعَلَيْهِ فَالضُّحَى اسْمٌ لِلْوَقْتِ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الصَّلَاةُ الَّتِي تَقَعُ عِنْدَهُ كَمَا فِي بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ. وَكَوْنُ الضُّحَى مِنْ النَّوَافِلِ الْمُتَأَكِّدَةِ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَمُنْتَهَاهَا عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ: ثَمَانٍ، وَأَقَلُّهَا: رَكْعَتَانِ. وَأَوْسَطُهَا: سِتٌّ. فَمَا زَادَ عَلَى الْأَكْثَرِ يُكْرَهُ، وَسُمِّيَتْ ضُحًى بِاسْمِ وَقْتِهَا؛ لِأَنَّ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ لَهُ ثَلَاثَةُ أَسْمَاءٍ فَأَوَّلُهَا: ضَحْوَةٌ وَذَلِكَ عِنْدَ الشُّرُوقِ. وَثَانِيهَا: ضُحًى مَقْصُورٌ وَذَلِكَ إذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ. وَثَالِثُهَا: ضَحَاءٌ بِالْمَدِّ وَذَلِكَ إلَى الزَّوَالِ. وَالْمُرَادُ بِالْوَقْتِ الَّذِي يُنْسَبُ إلَيْهِ الصَّلَاةُ ارْتِفَاعُ الشَّمْسِ وَهُوَ مَقْصُورٌ
. (ص) وَسَرَّ بِهِ نَهَارًا وَجَهَرَ لَيْلًا (ش) أَيْ: وَمِمَّا يُسْتَحَبُّ أَيْضًا السِّرُّ بِالنَّوَافِلِ نَهَارًا وَالْجَهْرُ بِهِ لَيْلًا فَقَوْلُهُ " وَسَرَّ " إلَخْ مَعْطُوفٌ عَلَى فَاعِلِ نُدِبَ؛ بِدَلِيلِ وَتَأَكَّدَ بِوِتْرٍ وَلَوْ عَبَّرَ بِإِسْرَارٍ وَإِجْهَارٍ لَكَانَ أَظْهَرَ. وَفِي كَرَاهَةِ الْجَهْرِ نَهَارًا قَوْلَانِ. وَأَمَّا السِّرُّ لَيْلًا فَجَائِزٌ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالسِّرُّ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ الْوِتْرُ عَلَى الْمَشْهُورِ انْتَهَى. وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ الْجَهْرُ فِي اللَّيْلِ قِيلَ: لِأَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمُظْلِمَةِ فَيُنَبِّهُ بِالْجَهْرِ الْمَارَّةَ أَنَّ هَاهُنَا جَمَاعَةٌ تُصَلِّي وَلِأَنَّ الْكُفَّارَ إذَا سَمِعُوا الْقُرْآنَ لَغَوْا فِيهِ فَأَمَرَ بِالْجَهْرِ وَقْتَ اشْتِغَالِهِمْ بِالنَّوْمِ وَتَرْكِ الْجَهْرَ فِي حُضُورِهِمْ، وَإِنَّمَا جَهَرَ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ لِحُضُورِ أَهْلِ الْبَوَادِي وَالْقُرَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَبِهَذَا سَقَطَ اعْتِرَاضُ الشَّارِحِ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا فِيهِ تَسْلِيمُ امْتِنَاعِ عَطْفِ الْمَعْرِفَةِ عَلَى النَّكِرَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُسَلَّمُ (قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّ كَلَامَهُ) أَيْ: الشَّارِحِ أَيْ:؛ لِأَنَّهُ عَطَفَهُ عَلَى نَفْلٍ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ) أَيْ: كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِبَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ الصَّلَاةُ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الرِّكَّةِ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ كَمَا فِي بَقِيَّةِ الْمَعَاطِيفِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ ثَمَانٍ) وَفِي خَارِجِ الْمَذْهَبِ اثْنَا عَشَرَ. (قَوْلُهُ: وَأَوْسَطُهَا سِتٌّ) وَانْظُرْ مَا حِكْمَتُهُ مَعَ أَنَّ الْوَسَطَ مَا يَنْقَسِمُ بِمُتَسَاوِيَيْنِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَوْسَطُهُ فِي الْفَضْلِ لَا فِي الْعَدَدِ مَثَلًا بِأَنْ يُقَالَ: إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَإِذَا صَلَّى سِتًّا يَحْصُلُ لَهُ عِشْرُونَ وَإِذَا صَلَّى ثَمَانِيًا يَحْصُلُ لَهُ أَرْبَعُونَ إلَّا أَنَّ هَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نَصٍّ.
(قَوْلُهُ: فَمَا زَادَ عَلَى الْأَكْثَرِ يُكْرَهُ) أَيْ: إنْ صَلَّاهُ بِنِيَّةِ الضُّحَى لَا بِنِيَّةِ نَفْلٍ مُطْلَقٍ كَذَا فِي عب وَفِيهِ أَنَّ الْوَقْتَ يَصْرِفُهُ لِلضُّحَى وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَحَلَّ كَوْنِهِ يَصْرِفُهُ لِلضُّحَى إذَا لَمْ يُصَلِّ فِيهِ الْقَدْرَ الْمَعْلُومَ الَّذِي هُوَ الثَّمَانُ. (قَوْلُهُ: وَسُمِّيَتْ ضُحًى بِاسْمِ وَقْتِهَا) لَا يَخْفَى أَنَّ وَقْتَهَا مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ قَيْدَ رُمْحٍ إلَى الزَّوَالِ هَذَا هُوَ الْوَاقِعُ. (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ عِنْدَ الشُّرُوقِ) أَيْ: شُرُوقِ الشَّمْسِ، ظَاهِرُهُ لَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ أَيْ: عِنْدَ طُلُوعِهَا كَمَا يُفِيدُهُ الْمُخْتَارُ. (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ إذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ) أَيْ: وَقْتَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ عَنْ الْأُفُقِ أَوْ قَيْدَ رُمْحٍ أَيْ: لَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ هَذَا ظَاهِرُهُ. (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ إلَى الزَّوَالِ) أَيْ: مُبْتَدَأٌ مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ هَذَا ظَاهِرُهُ فَيَكُونُ الضُّحَى بِالْقَصْرِ بَعْضَ الضَّحَاءِ بِالْمَدِّ وَيَحْتَمِلُ وَذَلِكَ مُبْتَدَأٌ مِنْ بَعْدِ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ قَيْدَ رُمْحٍ إلَى الزَّوَالِ فَيُفِيدُ الْمُبَايَنَةَ وَعَلَى كُلٍّ فَلَا يُفِيدُ الْمُدَّعِي لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ وَقْتَهَا يَسْتَمِرُّ مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ قَيْدَ رُمْحٍ إلَى الزَّوَالِ وَقَدْ عَلِمْت مِقْدَارَ الضُّحَى بِالْقَصْرِ، وَفِي الْقَامُوسِ الضَّحْوُ وَالضَّحْوَةُ وَالضَّحِيَّةُ كَعَشِيَّةٍ ارْتِفَاعُ النَّهَارِ وَالضُّحَى فُوَيْقَهُ وَالضَّحَاءُ بِالْمَدِّ إذَا قَرُبَ انْتِصَافُ النَّهَارِ اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ لَا يَخْفَى مَا يُفِيدُهُ كَلَامُهُ مِنْ الْمُبَايَنَةِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مُرَادَ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ " وَذَلِكَ إذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ " بَيَانٌ لِلْمَبْدَأِ أَيْ: وَيَسْتَمِرُّ ذَلِكَ لِلزَّوَالِ إلَّا أَنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ كَلَامِ الْقَامُوسِ. وَقَوْلُهُ " وَذَلِكَ إلَى الزَّوَالِ " أَيْ: مُبْتَدَأٌ مِمَّا بَعْدَهُ أَيْ: مِمَّا يُقَارِبُ نِصْفَ النَّهَارِ إلَى الزَّوَالِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْقَامُوسُ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ أَصْلُهَا لِلْأَقْفَهْسِيِّ وَالْأَحْسَنُ حَذْفُ تِلْكَ الْعِبَارَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُنَاسِبُ الْمَعْنَى الْمُرَادَ
. (قَوْلُهُ: وَسَرَّ بِهِ نَهَارًا) النَّهَارُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَاللَّيْلُ مِنْ غُرُوبِ قُرْصِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ قَالَهُ فِي ك. (قَوْلُهُ: كَانَ أَظْهَرَ) أَيْ: لِأَنَّ النَّدْبَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ. (أَقُولُ) أَمَّا جَهْرٌ فَهُوَ صَحِيحٌ لَا حَاجَةَ فِيهِ لِلتَّأْوِيلِ فَقَدْ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ جَهَرَ الشَّيْءُ يَجْهَرُ بِفَتْحَتَيْنِ جَهْرًا وَأَجْهَرْتُهُ بِالْأَلِفِ أَظْهَرْته وَيُعَدَّى بِنَفْسِهِ أَيْضًا وَبِالْبَاءِ فَيُقَالُ: جَهَرْته وَجَهَرْت بِهِ وَقَالَ الصَّغَانِيُّ وَأَجْهَرَ بِقِرَاءَتِهِ وَجَهَرَ بِهَا وَأَمَّا السِّرُّ فَقَدْ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ السِّرُّ مَا يُكْتَمُ وَهُوَ خِلَافُ الْإِعْلَانِ اهـ. فَانْظُرْ الْمُقَابَلَةَ فَإِنَّ مُقْتَضَى كَوْنِهِ خِلَافَ الْإِعْلَانِ أَنْ يَكُونَ سِرٌّ بِمَعْنَى إسْرَارٍ فَيَكُونُ الْمَعْنَى عَلَيْهِ صَحِيحًا إلَّا أَنَّهُ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ " مَا يُكْتَمُ " إلَّا أَنْ تُجْعَلَ مَا مَصْدَرِيَّةً وَفِيهِ بُعْدٌ. (قَوْلُهُ: قَوْلَانِ) أَيْ: بِالْكَرَاهَةِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى إلَّا الْوِرْدَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَيْ: فَيَجْهَرُ بِهِ. (قَوْلُهُ: فَجَائِزٌ) بِمَعْنَى خِلَافِ الْأَوْلَى. (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ الْوِتْرُ عَلَى الْمَشْهُورِ) أَيْ: إنَّ الْإِسْرَارَ فِيهِ جَائِزٌ بِمَعْنَى خِلَافِ الْأَوْلَى وَمُقَابِلُهُ مَا قَالَهُ الْإِبْيَانِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ بِجَائِزٍ فَيَقُولُ: إذَا أَسَرَّ فِيهِ عَامِدًا أَوْ جَاهِلًا أَعَادَهُ وَإِنْ أَسَرَّ نَاسِيًا سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ. ثُمَّ أَقُولُ: وَقَضِيَّةُ كَوْنِ الْجَهْرِ يَتَأَكَّدُ بِالْوِتْرِ أَنْ يَكُونَ السِّرُّ مَكْرُوهًا لَا خِلَافَ الْأَوْلَى. (قَوْلُهُ: أَنَّ هَاهُنَا جَمَاعَةً تُصَلِّي) أَيْ: لِأَجْلِ أَنْ لَا يَمُرُّوا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ أَوْ لِأَجْلِ أَنْ يَقْتَدُوا بِهِمْ أَيْ: يَفْعَلُوا مِثْلَ أَفْعَالِهِمْ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْكُفَّارَ إلَخْ) هَذَا لَا يُفِيدُ الْمُدَّعِي. (قَوْلُهُ: لِحُضُورِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ اللَّغْوَ يُوجَدُ حِينَئِذٍ وَالْجَوَابُ لَا بَلْ يَقِلُّ أَوْ يَنْعَدِمُ حِينَ يَحْضُرُ مَا ذُكِرَ وَأَنَّ ذَلِكَ عِلَّةٌ أَقْوَى.