وَتَأَكَّدَ بَعْدَ مَغْرِبٍ كَظُهْرٍ وَقَبْلَهَا كَعَصْرٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ التَّنَفُّلَ مُسْتَحَبٌّ فِي كُلِّ وَقْتٍ يَجُوزُ إيقَاعُهُ فِيهِ لَكِنْ يَتَأَكَّدُ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ أَيْ: وَبَعْدَ أَنْ يَأْتِيَ بِالذِّكْرِ الْوَارِدِ عَقِبَهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصَلِّي عَلَيَّ ثُمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ» وَكَذَلِكَ يَتَأَكَّدُ التَّنَفُّلُ قَبْلَ الظُّهْرِ وَبَعْدَهُ وَقَبْلَ أَدَاءِ فَرْضِ الْعَصْرِ كَمَا جَاءَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعًا بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» وَلِخَبَرِ «رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا» وَدُعَاؤُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُسْتَجَابٌ، فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ وَتَأَكَّدَ أَيْ: النَّدْبُ، وَعَوْدُهُ إلَى النَّفْلِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ وَهُوَ النَّدْبُ، فَعَوْدُهُ عَلَى النَّدْبِ ابْتِدَاءً أَوْلَى. وَفِي التَّوْضِيحِ حِكْمَةُ تَقْدِيمِ النَّوَافِلِ عَلَى الصَّلَاةِ وَتَأْخِيرِهَا عَنْهَا أَنَّ الْعَبْدَ مُشْتَغِلٌ بِأُمُورِ الدُّنْيَا فَتَبْعُدُ النَّفْسُ بِذَلِكَ عَنْ حُضُورِ الْقَلْبِ فَإِذَا تَقَدَّمَتْ النَّافِلَةُ عَلَى الْفَرِيضَةِ تَأَنَّسَتْ النَّفْسُ بِالْعِبَادَةِ فَكَانَ ذَلِكَ أَقْرَبَ لِحُضُورِ الْقَلْبِ.
وَأَمَّا التَّأْخِيرُ: فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ النَّوَافِلَ جَابِرَةٌ لِنُقْصَانِ الْفَرَائِضِ اهـ. فَهِيَ لِتَكْمِيلِ مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ نَقَصَ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَتَنَفَّلُ وَنِيَّتُهُ ذَلِكَ لِكَرَاهَةِ النَّفْلِ بِهَذِهِ النِّيَّةِ، قَالَ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَلَيْسَ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ أَنْ يَتَنَفَّلَ وَيَقُولَ: أَخَافُ أَنِّي نَقَصْتُ مِنْ الْفَرَائِضِ وَمَا سَمِعْت أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ يَفْعَلُهُ اهـ.
مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ (ص) بِلَا حَدٍّ (ش) أَيْ: إنَّ الْمَطْلُوبَ الْمُتَأَكِّدَ مِنْ النَّوَافِلِ التَّابِعَةِ لِلْفَرَائِضِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عَدَدٍ خَاصٍّ بِحَيْثُ تَكُونُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ أَوْ النَّقْصُ عَنْهُ مُفَوِّتًا لَهُ أَوْ يَكُونُ مَكْرُوهًا أَوْ خِلَافَ الْأَوْلَى. وَالْأَعْدَادُ الْوَارِدَةُ فِي الْأَحَادِيثِ لَيْسَتْ لِلتَّحْدِيدِ فَقَوْلُهُ " بِلَا حَدٍّ " أَيْ: بِلَا حَدٍّ لَازِمٍ لَا يَتَعَدَّاهُ وَلَا يَنْقُصُ عَنْهُ
. (ص) وَالضُّحَى (ش) هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي تَأَكَّدَ كَمَا قَالَهُ تت أَيْ: وَتَأَكَّدَ هُوَ وَالضُّحَى فَهُوَ أَرْفَعُ مِنْ النَّفْلِ وَالْفَصْلُ مَوْجُودٌ بِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ وَعَلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى نَفْلٍ يَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى كَلَامِ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ عَطْفُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُرَغَّبُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُفَسِّرَ الرَّغِيبَةَ بِالْعَدَدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَنَا مِنْهُ سِوَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ك (قَوْلُهُ: كَظُهْرٍ) أَيْ: بَعْدَ ظُهْرٍ وَقَوْلُهُ " وَقَبْلَهَا " مَعْطُوفٌ عَلَى " بَعْدَ " الْمُقَدَّرَةِ أَيْ: بِشَرْطِ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ وَإِلَّا مُنِعَ (قَوْلُهُ: وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَكَأَنَّهُ قَالَ فَلْيَبْدَأْ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ الْأَمْرُ بِخُصُوصِ الثَّنَاءِ الْمَعْهُودِ مِنْ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمُرَادَ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ أَيْ: الثَّنَاءُ الْمَعْهُودُ الْمُبَيَّنُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ يَتَأَكَّدُ التَّنَفُّلُ قَبْلَ الظُّهْرِ) أَيْ: بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَقَبْلَ فِعْلِهَا وَلَا يُعَارِضُ هَذَا مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ التَّنَفُّلُ عِنْدَ الْأَذَانِ وَكَذَا بَعْدَهُ إلَى أَنْ تُقَامَ الْفَرِيضَةُ سَوَاءٌ كَانَ أَذَانَ جُمُعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ الْأَذَانِ. وَأَمَّا مَنْ كَانَ دَاخِلًا فَلَهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ) ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّهَا تُكَفِّرُ الْكَبَائِرَ وَحُقُوقَ الْعِبَادِ مَعَ أَنَّ الْكَبَائِرَ لَا تُكَفَّرُ إلَّا بِالتَّوْبَةِ أَوْ عَفْوِ اللَّهِ، وَحَقَّ الْعِبَادِ لَا يُكَفَّرُ إلَّا بِإِعْطَائِهِ أَوْ مُسَامَحَتِهِ أَوْ إرْضَاءِ اللَّهِ خُصَمَاءَهُ عَنْهُ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَنْ حَافَظَ الْمُحَافَظَةَ عَلَى وَجْهِهَا مِنْ كَمَالِ الْخُشُوعِ وَإِتْقَانِ الْعِبَادَةِ. وَالْمُحَافَظَةُ الْمَذْكُورَةُ لَا تَكُونُ مِنْ مُرْتَكِبِ الْكَبَائِرِ وَعَلَى فَرْضِ وُقُوعِهَا فَتَكُونُ سَبَبًا فِي عَفْوِ اللَّهِ عَنْهُ فَالتَّكْفِيرُ بِعَفْوِ اللَّهِ، وَنِسْبَةُ التَّحْرِيمِ لَهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا سَبَبٌ فِي الْعَفْوِ.
(تَنْبِيهٌ) : سَكَتَ الْمُؤَلِّفُ عَنْ النَّفْلِ بَعْدَ الْعِشَاءِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِالشَّفْعِ وَالْوِتْرِ. وَأَمَّا النَّفَلُ قَبْلَهَا فَلَمْ يَرِدْ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِيهِ شَيْءٌ.
وَقَالَ سَيِّدِي زَرُّوقٌ: وَلَمْ يَرِدْ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ فِي النَّفْلِ قَبْلَ الْعِشَاءِ إلَّا عُمُومَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ. وَالْمُرَادُ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ وَالْمَغْرِبُ مُسْتَثْنَاةٌ (قَوْلُهُ: مُفَوِّتًا لَهُ) أَيْ: لِثَوَابِهِ أَيْ: بِحَيْثُ لَا يَكُونُ فِيهِ ثَوَابٌ أَصْلًا (قَوْلُهُ: أَوْ يَكُونُ) أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ (قَوْلُهُ: لَيْسَتْ لِلتَّحْدِيدِ) أَيْ: بِحَيْثُ يُقَالُ: لَا ثَوَابَ أَصْلًا فِي أَزْيَدَ أَوْ أَنْقَصَ أَيْ: بَلْ لِلْفَضْلِ الْخَاصِّ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهَا أَيْ: إنَّ الْخَاصَّ الْمُتَرَتِّبَ عَلَيْهَا لَا يَكُونُ عَلَى أَنْقَصَ مِنْهَا فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ كَمَا يَكُونُ عَلَيْهَا يَكُونُ عَلَى أَزْيَدَ مِنْهَا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ النَّقْصَ عَنْهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مَكْرُوهًا أَوْ خِلَافَ الْأَوْلَى، أَقَلُّ مَا يَكُونُ خِلَافُ الْأَوْلَى (قَوْلُهُ: لَا يَتَعَدَّاهُ) أَيْ: بِحَيْثُ لَوْ تَعَدَّاهُ أَيْ: زَادَ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ لَهُ ثَوَابٌ أَصْلًا، وَقَوْلُهُ " وَلَا يَنْقُصُ عَنْهُ " أَيْ: بِحَيْثُ لَوْ نَقَصَ عَنْهُ لَانْتَفَى عَنْهُ الثَّوَابُ أَصْلًا فَلَا يُنَافِي مَا وَرَدَ مِنْ الْأَحَادِيثِ ثُمَّ أَقُولُ: وَبَعْدَ ذَلِكَ هَذَا مُنَافٍ لِلتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ أَيْ: إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِاللُّزُومِ خِلَافَ ظَاهِرِهِ بِأَنْ يُفَسَّرَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ " بِحَيْثُ يَكُونُ إلَخْ ".
(تَنْبِيهٌ) : إنَّمَا تُطْلَبُ الرَّوَاتِبُ الْقَبْلِيَّةُ مِمَّنْ يَنْتَظِرُ جَمَاعَةً لَا مِنْ الْفَذِّ وَلَا مِمَّنْ لَا يَنْتَظِرُهَا وَلَا تُطْلَبُ إلَّا مَعَ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ وَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِهَا إنْ ضَاقَ.
(قَوْلُهُ: أَيْ: وَتَأَكَّدَ هُوَ وَالضُّحَى) لَا يَخْفَى أَنَّ مُفَادَ هَذَا أَنَّ كُلًّا مِنْ الضُّحَى وَالنَّفَلِ الْمَذْكُورِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَبَعْدَهَا مُتَأَكِّدٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ هُمَا مُسْتَوِيَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا آكَدُ. وَنَقُولُ: إنَّ الضُّحَى آكَدُ مِنْ النَّفْلِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُلْتَفَتُ لِكَلَامِ الشَّارِحِ) حَاصِلُهُ أَنَّ الشَّارِحَ جَعَلَهُ مَعْطُوفًا عَلَى نَفْلٍ وَاسْتَشْكَلَهُ بِعَطْفِهِ وَهُوَ مَعْرِفَةٌ عَلَى نَفْلٍ وَهُوَ نَكِرَةٌ