وَذِكْرُ الْبَاعِثِ وَتَسْمِيَةُ الْكِتَابِ وَبَيَانُ كَيْفِيَّتِهِ مِنْ تَبْوِيبٍ وَتَفْصِيلٍ شَرَعَ فِي مُقَدَّمَةِ الْكِتَابِ وَهِيَ مَا قُدِّمَتْ أَمَامَ الْمَقْصُودِ لِارْتِبَاطٍ لَهُ بِهَا وَانْتِفَاعٍ بِهَا فِيهِ سَوَاءٌ تَوَقَّفَ الْمَقْصُودُ عَلَيْهَا أَمْ لَا وَمُقَدِّمَةُ الْعِلْمِ هِيَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الشُّرُوعُ فِي مَسَائِلِهِ كَمَعْرِفَةِ حَدِّهِ وَغَايَتِهِ وَمَوْضُوعِهِ فَمُقَدِّمَةُ هَذَا الْكِتَابِ مِنْ قَوْلِهِ مُشِيرًا بِفِيهَا إلَى قَوْلِهِ وَاَللَّهُ أَسْأَلُ فَوَطَّأَ لَهَا بِذِكْرِ الْبَاعِثِ وَتَسْمِيَةِ الْكِتَابِ اللَّذَيْنِ هُمَا مِنْ الْأُمُورِ الْجَائِزَةِ فَقَالَ.

(ص) وَبَعْدُ (ش) هِيَ ظَرْفُ مَكَان مَقْطُوعٍ عَنْ الْإِضَافَةِ لَفْظًا لَا مَعْنًى وَلِذَا بُنِيَ عَلَى الضَّمِّ أَيْ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتُسْتَعْمَلُ فِي الْخُطَبِ وَالْكَلَامِ الْفَصِيحِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَذِكْرُ الْبَاعِثِ) أَيْ لِيُفْهِمَ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ الصَّادِرَ مِنْهُ لَيْسَ عَبَثًا فَيَنْتَفِي لَوْمُ مَنْ يَحْكُمُ بِأَنَّهُ عَبَثٌ وَكَانَ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَتَسْمِيَةُ الْكِتَابِ) ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَرْفَعُهُ وَيُعْلِيهِ وَيُظْهِرُهُ فَيَكُونُ دَاعِيًا لِلِاعْتِنَاءِ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُسَمِّ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مَجْهُولًا (قَوْلُهُ وَبَيَانُ كَيْفِيَّتِهِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ بَيَانَ الْكَيْفِيَّةِ يُسَهِّلُ الْمُرَاجَعَةَ بِأَنْ يَرْجِعَ إلَى كُلِّ مَسْأَلَةٍ فِي بَابِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا ذُكِرَتْ مَنْثُورَةً وَأَيْضًا أَدْعَى لِلرَّغْبَةِ فِي تَعَاطِيهِ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا يَقْطَعُ بَابًا أَوْ فَصْلًا تَنْبَعِثُ نَفْسُهُ لِلِانْتِقَالِ لِمَا بَعْدَهُ فَيُؤَدِّي إلَى تَمَامِ الْفَائِدَةِ بِإِتْمَامِهِ إذْ لَا يُمِلُّ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَا إذَا ذُكِرَتْ مَنْثُورَةً فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ مِنْ تَبْوِيبٍ إلَخْ) التَّبْوِيبُ جَعْلُهُ أَبْوَابًا وَالتَّفْصِيلُ جَعْلُهُ فُصُولًا، وَذَلِكَ كَيْفِيَّةُ الْمُؤَلِّفِ لَا كَيْفِيَّةُ الْكِتَابِ فَنَقُولُ الْمُرَادُ مِنْ التَّبْوِيبِ كَوْنُهُ مُبَوَّبًا مَصْدَرُ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَتَفْصِيلٍ بِمَعْنَى أَوْ مَانِعَةُ خُلُوٍّ تُجَوِّزُ الْجَمْعَ إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَدْحِ الْفَنِّ لِعِلْمِ حَالِهِ وَاشْتِهَارِهِ حَتَّى صَارَ ذِكْرُهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَبَثِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِبَيَانِ كَيْفِيَّتِهِ مِنْ تَبْوِيبٍ وَتَفْصِيلٍ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ فِي أَوَائِلِهِ يُفِيدُ مَعْرِفَةَ اصْطِلَاحِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ كُلُّهُ عَلَى مِنْهَاجٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ لَك أَنْ تَقُولَ قَدْ عَلِمْت مَزِيَّةَ الْفُنُونِ وَاشْتُهِرَتْ وَقَدْ قُلْت النَّظَرُ فِي مَبْدَإِ الْكِتَابِ يُحْرِزُ اصْطِلَاحَهُ فَإِذَنْ لَا حَاجَةَ لِبَيَانِ الِاصْطِلَاحِ وَلَا لِمَدْحِ الْفَنِّ بَلْ الْأَوْلَى عَدَمُ الذِّكْرِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّطْوِيلِ.

(قَوْلُهُ شَرَعَ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ حَيْثُ قَصَرَ الْأُمُورَ الْمُتَقَدِّمَةَ عَلَى السَّبْعَةِ الْمَذْكُورَةِ يَكُونُ أَرَادَ بِالْمَقْصُودِ مَا يَشْمَلُ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ وَالْمَقْصُودَ بِالْوَاسِطَةِ كَمُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ وَمُقَدِّمَةِ الْعِلْمِ (قَوْلُهُ مَا قُدِّمَتْ) أَيْ أَلْفَاظٌ قُدِّمَتْ أَمَامَ الْمَقْصُودِ أَيْ بِالذَّاتِ (قَوْلُهُ لِارْتِبَاطٍ لَهُ) أَيْ لِلْمَقْصُودِ بِهَا أَيْ بِمَدْلُولِهَا وَقَوْلُهُ وَانْتِفَاعٍ بِهَا أَيْ بِمَدْلُولِهَا فِيهِ أَيْ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى مَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ تَوَقَّفَ الْمَقْصُودُ) أَيْ الشُّرُوعُ فِي الْمَقْصُودِ أَوْ الْمَقْصُودُ مِنْ حَيْثُ الشُّرُوعُ عَلَيْهَا أَيْ عَلَى مَعَانِيهَا بِأَنْ كَانَ مَعَانِيهَا ثَلَاثَةً مَخْصُوصَةً الَّتِي هِيَ مُقَدِّمَةُ الْعِلْمِ وَهِيَ التَّعْرِيفُ وَالْمَوْضُوعُ وَالْغَايَةُ وَقَوْلُهُ أَمْ لَا بِأَنْ كَانَتْ مَعَانِيهَا غَيْرَ مُقَدِّمَةِ الْعِلْمِ وَمُقَدِّمَةُ كِتَابِنَا هَذَا حِينَئِذٍ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِمُقَدِّمَةِ الْعِلْمِ (قَوْلُهُ مَا يَتَوَقَّفُ) أَيْ مَعَانٍ ثَلَاثَةٌ مَخْصُوصَةٌ وَقَوْلُهُ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى مَا الْوَاقِعَةِ عَلَى مَعَانٍ وَقَوْلُهُ الشُّرُوعُ أَيْ كَمَالُ الشُّرُوعِ لَا أَصْلُهُ فَأَفْهَمْ (قَوْلُهُ فِي مَسَائِلِهِ) جَمْعُ مَسْأَلَةٍ وَهِيَ مَطْلُوبٌ خَبَرِيٌّ يُبَرْهَنُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْعِلْمِ وَتُطْلَقُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الْقَضِيَّةِ وَعَلَى نِسْبَتِهَا وَالْبَرْهَنَةُ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى النِّسْبَةِ وَكَذَلِكَ الْمَطْلُوبُ، فَإِنْ أُرِيدَ بِالْمَسْأَلَةِ النِّسْبَةُ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْقَضِيَّةُ يُقَدَّرُ مُضَافٌ أَيْ مَطْلُوبُ مَدْلُولِهَا وَضَمِيرُ مَسَائِلِهِ عَائِدٌ عَلَى الْعِلْمِ وَالْإِضَافَةُ حَقِيقِيَّةٌ إنْ أُرِيدَ مِنْ الْعِلْمِ الْمَلَكَةُ أَوْ الْإِدْرَاكُ، فَإِنْ أُرِيدَ الْقَوَاعِدُ وَالضَّوَابِطُ فَهِيَ عَيْنُ الْمَسَائِلِ أَيْ الْكُلِّيَّةِ فَتَكُونُ الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ.

(قَوْلُهُ كَمَعْرِفَةِ حَدِّهِ وَغَايَتِهِ) الْمَعْرِفَةُ تَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ تَصَوُّرٌ وَتَصْدِيقٌ فَهِيَ فِي جَانِبِ الْحَدِّ التَّصَوُّرُ وَفِي جَانِبِ الْغَايَةِ وَالْمَوْضُوعِ التَّصْدِيقُ وَلَا بُدَّ مِنْ حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ التَّصْدِيقُ بِمَوْضُوعِيَّةِ مَوْضُوعِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَوْضُوعَ عِلْمِ الْفِقْهِ أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ وَحَدُّهُ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُكْتَسَبِ مِنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ وَغَايَتُهُ الْفَوْزُ بِالسَّعَادَةِ الْكُبْرَى دُنْيَا وَأُخْرَى وَالْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةُ؛ لِأَنَّ مُقَدِّمَةَ الْعِلْمِ مَحْصُورَةٌ فِي الثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ إلَى قَوْلِهِ وَاَللَّهُ أَسْأَلُ) بِإِخْرَاجِ الْغَايَةِ (قَوْلُهُ فَوَطَّأَ لَهَا بِذِكْرِ الْبَاعِثِ) أَيْ فَمَهَّدَ لَهَا بِذِكْرِ الْبَاعِثِ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ بَيَانَهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذِكْرِ الْبَاعِثِ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ بَادَرَ بِذِكْرِ الْبَاعِثِ قَبْلَهَا لِيَكُونَ فَهْمُهَا بَعْدَهَا أَتَمَّ (قَوْلُهُ وَتَسْمِيَةِ الْكِتَابِ) فِيهِ أَنَّهُ إنَّمَا بَيَّنَ أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ تَأْلِيفَ مُخْتَصَرٍ، وَأَمَّا كَوْنُ اسْمِهِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ مُخْتَصَرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَشَيْءٌ آخَرُ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا لَمْ يَذْكُرْ لَهُ اسْمًا وَقَدْ وَصَفَهُ بِذَلِكَ الْوَصْفِ وَالْأَصْلُ أَنْ يَنْطِقَ فِي تَمْيِيزِهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْوَصْفِ، وَهُوَ لَفْظُ مُخْتَصَرٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ إشَارَةً إلَى تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ الِاسْمِ.

(قَوْلُهُ الْجَائِزَةِ) أَيْ بِرُجْحَانٍ (قَوْلُهُ هِيَ) أَيْ بَعْدُ أَيْ نَوْعُهَا لَا شَخْصُهَا (قَوْلُهُ ظَرْفُ مَكَان) أَيْ بِاعْتِبَارِ الرَّقْمِ وَظَرْفُ زَمَانٍ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ مُسَمَّيَاتِ الْكُتُبِ إنَّمَا هِيَ الْأَلْفَاظُ فَالْأَظْهَرُ الِالْتِفَاتُ إلَى كَوْنِهَا ظَرْفَ زَمَانٍ ابْتِدَاءً وَجَعْلُهَا ظَرْفَ مَكَان صَحِيحٌ وَاحْذَرْ أَنْ تَعْتَقِدَهُ خَطَأً فَإِنَّ اعْتِقَادَك خَطَأَهُ كَمَا وَقَعَ لِبَعْضِ إخْوَانِنَا هُوَ الْخَطَأُ فَتَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ وَلِذَا بُنِيَ عَلَى الضَّمِّ) أَيْ إنَّ عِلَّةَ الْبِنَاءِ عَلَى الضَّمِّ إنَّمَا هُوَ الْإِضَافَةُ لِلْمَعْنَى وَأَفَادَ الْفَاكِهِيُّ أَنَّ الْمَعْنَى الْمَذْكُورَ هُوَ مَعْنَى الْإِضَافَةِ الَّذِي هُوَ مَعْنًى جُزْئِيٌّ حَقُّهُ أَنْ يُؤَدَّى بِالْحَرْفِ، وَأَمَّا عِلَّةُ الْبِنَاءِ عَلَى الضَّمِّ، فَإِنَّمَا هُوَ لِتُخَالِفَ حَرَكَةَ الْبِنَاءِ حَرَكَتَيْ الْإِعْرَابِ لَا الْإِضَافَةُ لِلْمَعْنَى كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتَتْمِيمُ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ فِي حَاشِيَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ (قَوْلُهُ وَتُسْتَعْمَلُ فِي الْخُطَبِ إلَخْ) أَيْ نَدْبًا كَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ وَالْكَلَامِ الْفَصِيحِ) أَيْ وَكُلُّ كَلَامٍ فَصِيحٍ كَانَ خُطْبَةً أَوْ مُكَاتَبَاتٍ أَوْ غَيْرَهُمَا فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا خَصَّ الْكَلَامَ بِكَوْنِهِ فَصِيحًا لِكَوْنِهِ هُوَ الْأَوْلَى فِي التَّكَلُّمِ بِهِ وَإِلَّا فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ الْكَلَامَ غَيْرُ فَصِيحٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015