(ش) الْإِقْطَاعُ مَصْدَرُ قَوْلِك أَقْطَعَهُ إذَا مَلَّكَهُ وَأَذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي الشَّيْءِ قَالَ بَعْضٌ وَالْإِقْطَاعُ يَكُونُ تَمْلِيكًا وَغَيْرَ تَمْلِيكٍ وَشَرْعًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ تَمْلِيكُ الْإِمَامِ جُزْءًا مِنْ الْأَرْضِ الْحَبْسِ وَمَعْنَى كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ الِاخْتِصَاصَ يَكُونُ بِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ لِأَحَدٍ فَيَمْلِكُهُ فَيَبِيعُهُ وَيَهَبُهُ وَيُورَثُ عَنْهُ وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الْفَيَافِيِ أَوْ فِي قَرْيَةٍ مِنْ الْعُمْرَانِ.

(تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَيْسَ الْإِقْطَاعُ مِنْ الْإِحْيَاءِ وَإِنَّمَا هُوَ تَمْلِيكٌ مُجَرَّدٌ فَلَهُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَيُورَثُ عَنْهُ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ اللَّخْمِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ انْتَهَى. وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الِاخْتِصَاصَ الْحَاصِلَ فِي شَيْءٍ بِالْإِحْيَاءِ لَا يُوجِبُ مِلْكَهُ لَهُ أَيْ: دَائِمًا وَيَدُلُّ لَهُ مَا يَأْتِي فِي حَرِيمِ الْبَلَدِ مِنْ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ فِي إحْيَائِهِ وَبِعِبَارَةٍ وَلَيْسَ قَوْلُ الشَّارِحِ وَلَيْسَ أَيْ: الْإِقْطَاعُ مِنْ الْإِحْيَاءِ تَوَرُّكًا عَلَى الْمُؤَلِّفِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَقَامِ تَحْدِيدِ وُجُوهِ الِاخْتِصَاصَاتِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِإِحْيَاءٍ أَمْ لَا وَالْمَشْهُورُ أَنَّ إقْطَاعَ الْإِمَامِ يَحْتَاجُ لِحَوْزٍ كَسَائِرِ الْعَطَايَا وَلَوْ أَقْطَعَهُ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ كُلَّ عَامٍ كَذَا عَمِلَ بِهِ.

(ص) وَلَا يُقْطَعُ مَعْمُورُ الْعَنْوَةِ مِلْكًا (ش) يَعْنِي أَنَّ الْأَرْضَ الَّتِي أُخِذَتْ عَنْوَةً كَمِصْرِ وَمَكَّةَ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ كَمَا مَرَّ فِي الْجِهَادِ لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَ مَعْمُورَهَا لِأَحَدٍ مِلْكًا بَلْ إمْتَاعًا وَالْمُرَادُ بِالْمَعْمُورِ الْأَرْضُ الَّتِي تُزْرَعُ وَبِعِبَارَةٍ الْمُرَادُ بِالْمَعْمُورِ مَا صَلَحَ لِزِرَاعَةِ الْبُرِّ وَنَحْوِهِ وَعَقَارُ الْكُفَّارِ، وَأَمَّا مَا لَا يَصْلُحُ لِزِرَاعَةِ الْحَبِّ وَلَيْسَ مِنْ عَقَارِ الْكُفَّارِ فَهُوَ مِنْ الْمَوَاتِ وَإِنْ صَلَحَ لِغَرْسِ الشَّجَرِ بِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يُقْطَعْ الْمَعْمُورُ مِلْكًا؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ يَكُونُ وَقْفًا، وَأَمَّا مَعْمُورُ غَيْرِ الْعَنْوَةِ فَيَقْطَعُهُ مِلْكًا وَإِمْتَاعًا ثُمَّ إنَّهُ يُسْتَثْنَى مِمَّا عَدَا مَعْمُورَ الْعَنْوَةِ أَرْضِ الصُّلْحِ فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَ مَعْمُورَهَا وَلَا مَوَاتَهَا مِلْكًا وَلَا إمْتَاعًا فَفِي مَفْهُومِ الْعَنْوَةِ تَفْصِيلٌ فَلَا يُعْتَرَضُ بِهِ.

(ص) وَبِحِمَى إمَامٍ مُحْتَاجًا إلَيْهِ قَلَّ مِنْ بَلَدٍ عَفَا لِكَغَزْوٍ (ش) هَذَا نَوْعٌ آخَرُ مِنْ أَنْوَاعِ الِاخْتِصَاصِ يَعْنِي أَنَّ الِاخْتِصَاصَ يَكُونُ بِحِمَى الْإِمَامِ بِشُرُوطٍ أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ أَيْ: دَعَتْ حَاجَةُ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِ لِأَجْلِ نَفْعِهِمْ فَلَا يَحْمِي لِنَفْسِهِ وَلَا لِأَحَدٍ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ وَأَنْ يَكُونَ الْمَحْمِيُّ شَيْئًا قَلِيلًا لَا يَضِيقُ عَلَى النَّاسِ بِأَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ مَنَافِعِ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَأَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْمَحْمِيُّ لَا بِنَاءَ فِيهِ وَلَا غَرْسَ وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِغَزْوٍ وَنَحْوِهِ مِثْلَ مَاشِيَةِ الصَّدَقَةِ وَدَوَابِّ الْفُقَرَاءِ فَالْمُرَادُ بِالْبَلَدِ الْأَرْضُ، وَأَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَيْهَا مُذَكَّرًا بِاعْتِبَارِ لَفْظِ الْبَلَدِ وَقَوْلُهُ وَبِحِمَى إمَامٍ أَيْ: أَوْ نَائِبِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي خُصُوصِهِ بِخِلَافِ الْإِقْطَاعِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَفْعَلُهُ النَّائِبُ بِشَرْطِ إذْنِ الْإِمَامِ لَهُ فِي خُصُوصِهِ وَإِنْ لَمْ يُعَيَّنْ لَهُ مَنْ يَقْطَعُهُ لَهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِقْطَاعَ يَحْصُلُ بِهِ التَّمْلِيكُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إذْنٍ بِهِ بِخِلَافِ الْحِمَى وَالْحِمَى بِالْقَصْرِ لَيْسَ إلَّا كَمَا فِي الْمَشَارِقِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ إذَا مَلَكَهُ) هَذَا يُوَافِقُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ مِنْ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ فَيَكُونُ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ مُوَافِقًا لِلْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ (قَوْلُهُ تَمْلِيكًا) أَيْ: لِذَاتٍ وَقَوْلُهُ غَيْرَ تَمْلِيكٍ أَيْ: لِذَاتٍ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِمَنْفَعَةٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَظَاهِرُ قَوْلِ الشَّارِحِ وَشَرْعًا أَنَّ هَذَا مَعْنًى لُغَوِيٌّ وَأَنَّ هَذَا الْبَعْضَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالظَّاهِرُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الشَّرْعِ (قَوْلُهُ جُزْءًا مِنْ الْأَرْضِ الْحَبْسِ) لَمْ يُوجَدْ فِي تَعْرِيفِ ابْنِ عَرَفَةَ لَفْظَةُ حَبْسٍ فَالْمُنَاسِبُ إسْقَاطُهَا؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ لَا يَجُوزُ تَمْلِيكُ شَيْءٍ مِنْهُ وَأَفَادَ بَعْضُ شُيُوخِنَا أَنَّ الْمَعْنَى مِنْ الْأَرْضِ الْحَبْسِ أَيْ: مَوَاتِهَا، وَأَمَّا أَرْضُ الزِّرَاعَةِ فَلَا يَقْطَعُهَا الْإِمَامُ مِلْكًا بَلْ إمْتَاعًا إلَّا أَنَّك بَعْدَ أَنْ عَلِمْت أَنَّ هَذِهِ لَمْ تَكُنْ فِي تَعْرِيفِ ابْنِ عَرَفَةَ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّكَلُّفِ.

(قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْفَيَافِيِ أَوْ فِي قَرْيَةٍ) أَوْ فِي حَرِيمِ قَرْيَةٍ مِنْ الْعُمْرَانِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ بَعْدُ وَيَدُلُّ لَهُ مَا يَأْتِي إلَخْ (قَوْلُهُ لَا يُوجِبُ مِلْكَهُ) أَيْ: دَائِمًا (قَوْلُهُ وَيَدُلُّ لَهُ إلَخْ) أَقُولُ وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ فِي إحْيَائِهِ أَيْ: إحْيَاءِ الْقَرِيبِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لِغَيْرِ أَهْلِ الْبَلَدِ دَلَّ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْبَلَدِ لَا يَمْلِكُونَ الْقَرِيبَ دَائِمًا؛ إذْ لَوْ كَانُوا يَمْلِكُونَهُ دَائِمًا لَمَا تَأَتَّى لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ فِي إحْيَائِهِ لِشَخْصٍ وَبَعْدَ هَذَا التَّوْجِيهِ فَنَقُولُ لَك إنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ اُعْتُرِضَ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ فِي يَدِهِ وَلِلْإِمَامِ نَزْعُهُ مِنْهُ بِدَلِيلِ احْتِجَاجِهِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِتَصْرِيحِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِأَنَّ الْمَوَاتَ يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتًا فَهِيَ لَهُ» هَذَا حَدِيثٌ يُؤْثَرُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْعِلْمِ مَا عَلِمْت بَيْنَهُمْ اخْتِلَافًا أَنَّ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً أَنَّ ذَلِكَ لَهُ مِلْكُهُ بِمَا مَلَّكَهُ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَبِذَلِكَ قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَلَا دَلِيلَ لَهُ فِيمَا يَأْتِي؛ لِأَنَّ حَرِيمَ الْبَلَدِ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ إحْيَاءٌ انْتَهَى. وَهُوَ كَلَامٌ حَقٌّ وَبَعْضُ الْأَشْيَاخِ فَهِمَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ أَيْ دَائِمًا بِأَنَّ الْمُرَادَ بَلْ يَنْتَهِي الْمِلْكُ فِيهِ بِانْدِرَاسِهِ مَعَ طُولٍ مَعَ إحْيَائِهِ ثَانِيًا مِنْ شَخْصٍ آخَرَ انْتَهَى وَهُوَ غَيْرُ جَيِّدٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَيَدُلُّ لَهُ إلَخْ يَرُدُّهُ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ بَلْ إمْتَاعًا) وَفَائِدَةُ كَوْنِهِ إمْتَاعًا فَقَطْ أَنَّهُ لَا يَبِيعُهُ وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِغَيْرِ الِانْتِفَاعِ (قَوْلُهُ وَعَقَارُ الْكُفَّارِ) عَطْفٌ عَلَى مَا أَيْ: الْمُرَادُ بِالْمَعْمُورِ شَيْئَانِ أَرْضُ الزِّرَاعَةِ وَعَقَارُ الْكُفَّارِ (قَوْلُهُ فَهُوَ مِنْ الْمَوَاتِ) أَيْ: فَلَهُ أَنْ يَقْطَعَهُ مِلْكًا وَإِمْتَاعًا (قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَعْمُورُ غَيْرِ الْعَنْوَةِ) أَيْ: كَأَرْضٍ تَرَكَهَا أَهْلُهَا وَخَرَجُوا مِنْهَا كَمَا أَفَادَهُ شب (قَوْلُهُ وَبِحِمَى إمَامٍ) الْمُرَادُ الْمَنْعُ مِنْ رَعْيِ كَلَأِ مَكَان لِتَتَوَفَّرَ لِدَوَابَّ مَخْصُوصَةٍ (قَوْلُهُ مُحْتَاجًا) مَفْعُولُ الْمَصْدَرِ وَهُوَ حِمًى (قَوْلُهُ مِنْ بَلَدٍ) الْمُرَادُ بِالْبَلَدِ الْأَرْضُ وَلَوْ قَالَ مِنْ مَحَلٍّ لَكَانَ أَحْسَنَ (قَوْلُهُ فَلَا يَحْمِي لِنَفْسِهِ) أَيْ: لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْمَحْمِيُّ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ عَفَا لَيْسَ نَعْتًا لِبَلَدٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بَلْ هُوَ صِفَةٌ لِلْمَحْمِيِّ مِنْ الْأَرْضِ وَأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَوْ قَالَ قَدْ عَفَا مِنْ بَلَدٍ لَكَانَ أَحْسَنَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015