(ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ غَصَبَ مِثْلِيًّا ثُمَّ إنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ وَجَدَ الْغَاصِبَ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَمَعَهُ الْمِثْلِيُّ الْمَغْصُوبُ فَقَالَ رَبُّ الْمَتَاعِ لِلْغَاصِبِ رُدَّ إلَيَّ مَتَاعِي إلَى بَلَدِ الْغَصْبِ فَإِنَّهُ لَا يُجَابُ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْمِثْلِيَّ غَيْرُهُ يَقُومُ مَقَامَهُ وَهَذَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ وَلِبَلَدِهِ وَلَوْ صَاحِبَهُ إلَّا أَنَّ مَقْصُودَهُ التَّنْصِيصُ عَلَى أَعْيَانِ الْمَسَائِلِ وَإِلَّا فَهُوَ تَكْرَارٌ وَحَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ لِعَدَمِ الْمِثْلِ ثُمَّ وَجَدَ الْمِثْلَ أَنَّهُ لَا رَدَّ لَهُ يَكُونُ تَكْرَارًا مَعَ قَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي وَمَلَكَهُ إنْ اشْتَرَاهُ وَالْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا زَعَمَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَنَّ مَا وَجَدَهُ بِيَدِ الْغَاصِبِ مِثْلِيُّهُ وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهُ وَخَالَفَهُ الْغَاصِبُ أَيْ وَلَا رَدَّ لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ مَا بِيَدِ الْغَاصِبِ مِثْلِيُّهُ قَالَهُ بَعْضٌ وَفِيهِ شَيْءٌ لِفَهْمِ هَذِهِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ لَا يُجَابُ لِرَدِّ مِثْلِيِّهِ الْمُحَقَّقِ أَنَّهُ هُوَ الْمَوْجُودُ بِيَدِ الْغَاصِبِ إلَى بَلَدِ الْغَصْبِ لِأَنَّ غَيْرَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُجَابَ لِرَدِّ مَا وَقَعَ فِيهِ النِّزَاعُ أَنَّهُ هُوَ.
ثُمَّ شَبَّهَ فِي قَوْلِهِ وَلَا رَدَّ لَهُ قَوْلُهُ (ص) كَإِجَازَتِهِ بَيْعَهُ مَعِيبًا زَالَ وَقَالَ أَجَزْتُ لِظَنِّ بَقَائِهِ (ش) وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ غَصَبَ شَيْئًا مَعِيبًا وَبَاعَهُ وَأَجَازَ الْمَالِكُ الْبَيْعَ ثُمَّ عَلِمَ الْمَالِكُ بِذَهَابِ الْعَيْبِ بَعْدَ الْإِجَازَةِ فَقَالَ إنَّمَا أَجَزْتُ الْبَيْعَ لِظَنِّي أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ الْإِجَازَةِ وَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ إجَازَتِهِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ وَالْبَيْعُ لَازِمٌ لَهُ فَقَوْلُهُ إجَازَتِهِ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ وَبَيْعَهُ مَفْعُولُهُ وَهُوَ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ وَمَعِيبًا مَفْعُولُهُ وَضَمِيرُ زَالَ عَائِدٌ عَلَى الْعَيْبِ الْمَفْهُومِ مِنْ مَعِيبًا لَا عَلَى الْمَعِيبِ وَقَوْلُهُ زَالَ أَيْ عِنْدَ الْغَاصِبِ أَوْ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ إذْ لَوْ شَاءَ لَتَثَبَّتَ.
(ص) كَنُقْرَةٍ صِيغَتْ وَطِينٍ لُبِنَ وَقَمْحٍ طُحِنَ وَبَذْرٍ زُرِعَ (ش) هَذَا تَشْبِيهٌ بِمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ وَلَا رَدَّ لَهُ فَكَمَا لَا تَسَلُّطَ لِلْمَالِكِ عَلَى عَيْنِ الْمِثْلِيِّ إذَا وَجَدَهُ بِغَيْرِ بَلَدِهِ مَعَ الْغَاصِبِ كَذَلِكَ لَا تَسَلُّطَ لَهُ عَلَيْهِ إذَا وَجَدَهُ عَلَى غَيْرِ صِفَتِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ غَصَبَ مِنْ شَخْصٍ نُقْرَةً وَهِيَ الْقِطْعَةُ الْمُذَابَةُ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ فَسَبَكَهَا أَوْ صَاغَهَا حُلِيًّا أَوْ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ يُقْضَى لِصَاحِبِهَا بِمِثْلِهَا صِفَةً وَوَزْنًا وَلَا يُقْضَى لَهُ بِعَيْنِهَا حِينَئِذٍ لِدُخُولِ الصَّنْعَةِ فِيهَا لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمِثْلِيَّ إذَا دَخَلَتْهُ صَنْعَةٌ فَإِنَّهُ يُقْضَى فِيهِ بِالْقِيمَةِ وَيُلْحَقُ بِالْمُقَوَّمَاتِ وَمِثْلُ الصِّيَاغَةِ النُّحَاسُ يُضْرَبُ فُلُوسًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مِثْلُ النُّحَاسِ لِأَنَّ مُطْلَقَ الصِّيَاغَةِ هُنَا مُفِيتٌ بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ وَنُحَاسٌ بِتَوْرٍ لَا فُلُوسٌ وَكَذَلِكَ مَنْ غَصَبَ طِينًا مَعْلُومَ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ فَضَرَبَهُ هـ لَبِنًا فَإِنَّهُ يَغْرَمُ لِصَاحِبِهِ مِثْلَهُ إنْ عُلِمَ وَإِلَّا فَقِيمَتَهُ لِأَنَّ الْمِثْلِيَّ الْجُزَافَ يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّ الطِّينَ مِمَّا يُكَالُ بِالْقُفَّةِ وَنَحْوِهَا وَكَذَلِكَ مَنْ غَصَبَ قَمْحًا فَطَحَنَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQاعْتَمَدْتُ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْغَلَّاتِ لِلْغَاصِبِ إذْ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ وَقَالَ الرَّابِعُ: طَعَامٌ مُسْتَهْلَكٌ تَرَتَّبَتْ الْقِيمَةُ فِي ذِمَّةِ مُسْتَهْلِكِهِ فَحَلَّ لِي تَنَاوُلُهُ وَقَدْ مَكَّنَنِي مِنْهُ فَحَلَّ لِي قُلْتُ وَهَذَا صَرِيحُ الْفِقْهِ وَلُبَابُهُ وَقَالَ الْخَامِسُ: طَعَامٌ مُسْتَحَقٌّ لِلْمَسَاكِينِ قَدَرْتُ عَلَى اسْتِخْلَاصِ بَعْضِهِ فَاسْتَخْلَصْتُهُ وَأَوْصَلْتُهُ إلَى أَرْبَابِهِ فَكَانَ قَدْ تَصَدَّقَ بِمَا أَخَذَ قُلْتُ وَهَذَا أَحْرَى بِالصَّوَابِ لِجَمْعِهِ بَيْنَ الْفِقْهِ وَالْوَرَعِ قَالَهُ سَيِّدِي أَحْمَدُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ
(قَوْلُهُ وَهَذَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ) أَيْ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ لَهُ بَلْ يَصْبِرُ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ مَقْصُودَهُ) أَيْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَصْدُهُ النَّصُّ فِي الْأُولَى عَلَى الصَّبْرِ وَالثَّانِيَةِ نَصٌّ عَلَى عَدَمِ الرَّدِّ فَهَاتَانِ مَسْأَلَتَانِ وَإِنْ كَانَتْ الْأُولَى تُغْنِي عَنْ الثَّانِيَةِ وَهَذَا الْجَوَابُ بَعِيدٌ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ شَأْنُهُ الِاخْتِصَارُ وَقَدْ يُقَالُ لَا إغْنَاءَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ وَصَبَرَ لِبَلَدِهِ وَلَوْ صَاحَبَهُ وَلَكِنْ يَقُولُ لَهُ رُدَّ الْمَتَاعَ إلَى بَلَدِي وَقَالَ بَعْضٌ وَأَعَادَهُ مَعَ تَكَرُّرِهِ مَعَ مَا مَرَّ لِيُشَبِّهَ بِهِ مَا بَعْدَهُ فَإِنَّهُ شَبَّهَ بِمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ لَا رَدَّ لَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ لِكَلَامِ رَبِّ الْمَغْصُوبِ (قَوْلُهُ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ) فِيهِ شَيْءٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يَصْبِرُ عِنْدَ عَدَمِهِ إلَى الْوُجُودِ فَلَا يَصِحُّ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ (قَوْلُهُ يَكُونُ تَكْرَارًا) الْمُرَادُ أَنَّ أَحَدَهُمَا يُغْنِي عَنْ الْآخَرِ وَإِلَّا فَالْمُكَرَّرُ حَقِيقَةً هُوَ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ وَقَعَ فِي مَوْضِعِهِ
(قَوْلُهُ بَيْعَهُ مَعِيبًا) كَانَ الْعَيْبُ طَارِئًا عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ رَبِّهِ قَبْلَ الْغَصْبِ (قَوْلُهُ زَالَ) أَيْ عِنْدَ الْغَاصِبِ إلَخْ لَكِنْ الْمُتَبَادِرُ مِنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ زَالَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ مَعِيبًا أَيْ وَلَوْ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ فَيَشْمَلُ زَوَالَهُ عِنْدَ الْغَاصِبِ
(قَوْلُهُ وَبَذْرٍ) أَيْ مَا يُبْذَرُ كَحَبٍّ زُرِعَ فَبَذْرٌ اسْمٌ لَا مَصْدَرٌ إذْ هُوَ مَصْدَرًا إلْقَاءُ الْحَبِّ عَلَى الْأَرْضِ وَهُوَ الزَّرْعُ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ زُرِعَ وَلَا يُحْمَلُ زُرِعَ عَلَى غَطَّى لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ فَوَاتَ الْمَبْذُورِ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَغْطِيَتِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ الْمُذَابَةُ) أَيْ شَأْنُهَا أَنْ تُذَابَ وَإِلَّا فَهِيَ الْآنَ غَيْرُ مُذَابَةٍ (قَوْلُهُ وَلَا يُقْضَى) مَعْنَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ النُّقْرَةَ إذَا صِيغَتْ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِثْلُهَا فَإِذَا أَتْلَفَهَا إنْسَانٌ بَعْدَ ذَلِكَ ضَمِنَ قِيمَتَهَا فَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ وَصَارَتْ مِنْ الْمُقَوَّمَاتِ بَعْدَ الصَّنْعَةِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ إلَخْ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ سَقَطَ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّ الْغَاصِبَ يَغْرَمُ الْقِيمَةَ فَيُنَافِي قَوْلَهُ أَوَّلًا يَغْرَمُ مِثْلَهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمِثْلِيَّ إذَا دَخَلَتْهُ صَنْعَةٌ فَإِنَّهُ يُقْضَى فِيهِ بِالْقِيمَةِ) أَيْ عَلَى مَنْ أَتْلَفَهُ بَعْدَ حُصُولِ الصَّنْعَةِ فِيهِ وَأَمَّا مَنْ غَصَبَهُ وَصَنَعَهُ فَإِنَّ صَنْعَتَهُ تَكُونُ مُفَوِّتَةً لَهُ وَيَلْزَمُ فِيهِ الْمِثْلُ لَا الْقِيمَةُ فَلَا مُنَافَاةَ (قَوْلُهُ لِأَنَّ مُطْلَقَ الصِّيَاغَةِ هُنَا مُفِيتٌ) أَيْ لِرَدِّهِ لِرَبِّهِ لَا أَنَّهُ يُصَيِّرُهُ مُقَوَّمًا فَلَا يُقَالُ إنَّ جَعْلَهُ مُفْتِيًا يُفِيدُ أَنَّهُ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ لَا الْمِثْلَ
(قَوْلُهُ وَإِلَّا فَقِيمَتَهُ) قَالَ الزَّرْقَانِيُّ اسْتَشْكَلَ هَذَا بَعْضُ شُيُوخِنَا بِأَنَّ لُزُومَ الْقِيمَةِ فِي الْجُزَافِ لِلْهُرُوبِ مِنْ رِبَا الْفَضْلِ لَوْ دَفَعَ مِثْلَهُ وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي الطِّينِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ حَيْثُ الْمُزَابَنَةُ وَهِيَ تَكُونُ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمِثْلِيَّ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَإِلَّا فَقِيمَتَهُ (قَوْلُهُ الْجُزَافَ) أَيْ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُعْلَمْ صَارَ بِمَثَابَةِ الْجُزَافِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الطِّينَ عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرُ إنَّمَا قُلْنَا مِثْلِيٌّ لِأَنَّهُ مِمَّا يُكَالُ بِالْقُفَّةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الطِّينَ مِمَّا يُكَالُ بِالْقُفَّةِ) فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقْصَدُ بِوَضْعِهِ فِي الْقُفَّةِ نَقْلُهُ مِنْ مَحَلٍّ لِآخَرَ