فأمر باستيفاء صوم شهر رمضان عند الشك باليقين، فاستعملنا خبر البناء على اليقين في حال، وخبر التحري في حال أخرى هو ما يغلب في ظنه أنه هو الصواب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في خبر عبد الله: "فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب".
* ويدل على صحة قولنا من طريق النظر: أنه متى كان معتادًا منه وقوع السهو، فهو لا يصل إلى أدائها إلا من جهة الاجتهاد، ومتى أمرنا، بالاستئناف كان مصيره إلى الاجتهاد في صحة أداء الفرض، فأشبه النائي عن القبلة، أنه لما لم يصل إلى علم جهتها إلا من طريق الاجتهاد، كان سبيله التحري، وطلب غالب الظن.
وأما إذا شك في أول مرة، فقد يتوصل إلى صحة أداء الفرض من جهة اليقين، فلا مدخل للاجتهاد والتحري فيه، كمن قدر على إصابة عين القبلة، فلا يجوز له الاجتهاد، وكمن بحضرته من يساله عن جهتها، فلا يسوغ له الاجتهاد فيها.
وكان أبو الحسن الكرخي رحمه الله يحمل قول أصحابنا: "فإن شك غير مرة تحري": على أن الغالب من أمره الشك، وأنه دأبه وعادته، وأنه إن لم يكن كذلك، وأمكنه فيما جرت عاداته أداء صلاته بيقين: فعليه أن يستقبل.
فإن قال قائل: قد لزمه الفرض بيقين، كشهر رمضان إذا غم عليهم، وكمن شك في الطهارة بعد الحدث، أو في الحدث بعد الطهارة، وكالشاك في نفس الصلاة، هل فعلها أم لا؟