كل واحد منهما إذا لم ينتفع بنصيبه: لم يستحق القسمة على صاحبه، ولم يقسمه القاضي بينهما إذا أبى ذلك أحدهما.
فإذا ثبت هذا الأصل، اعتبر أبو حنيفة اعتبار منافع السفل والعلو بأصل له آخر بينه وبين أبي يوسف ومحمد فيه خلاف، وهو أنه يقول: إن العلو إذا كان لرجل، وسفله لآخر: فليس لصاحب العلو أن يزيد في بنائه، ولا يعلي فوقه علوا آخر.
وإذا كان ذلك من أصله، فالذي لصاحب العلو بغير سفل منفعة واحدة، وهي الانتفاع بالعلو الذي هو فيه فحسب، ولا يمكنه الانتفاع بسفله، ولا أن يبني فوقه علوا آخر فينتفع به.
وأما صاحب السفل بلا علو: فله أن ينتفع بوجه البيت، وله أن يسفل، فيحفر تحته بيتا آخر، فيحصل له منفعتان، وليس له الانتفاع بالعلو؛ لأنه لغيره، وإنما عدم جهة واحدة من المنفعة.
وأما صاحب البيت الكامل الذي له سفل وعلو، فله ثلاث جهات من المنافع: وجه البيت، وسفله، وعلوه، فصار للبيت الكامل ثلاث منافع.
فقال أبو حنيفة على هذا الأصل: إن مائة ذراع من العلو الذي لا سفل له، بإزاء ثلاث وثلاثين ذراعا وثلث ذراع من البيت الكامل الذي له سفل وعلو؛ لأن للبيت الكامل ثلاث منافع، وللعلو الذي لا سفل له منفعة واحدة، ومائة ذراع من السفل لا علو له، بإزاء ستة وستين ذراعا وثلثي ذراع من البيت الكامل؛ لأن للسفل الذي لا علو له منفعتين، وللبيت الكامل ثلاث منافع.