أن حافر البئر، والشهود لا يستحقون بفعلهم السبب استباحة دمائهم.
فإن قيل: هلا أوجبت على المكره القصاص، كما قال زفر، إذ لم يبح له الإكراه قتله، فكان حاله بعد الإكراه كهي قبله في باب حظر دمه، ومن هذا الوجه فارق إتلاف الأموال؛ لأن الإكراه بالضرورة يبيح له إتلافها لإحياء نفسه، ولا يجوز له إتلاف نفس غيره لإحياء نفسه؛ لأن الله تعالى قد سوى بينهما في حرمة الدم.
قيل له: ما قدمناه من الدلائل كاف في إسقاط هذا السؤال؛ لأن ما ذكرت من بقاء دمه على الحظر في حق المأمور، لم يمنع إباحة دم المكره له على ذلك، لأجل إكراهه، فدل على أن حكم هذا الفعل متعلق به دون المأمور.
وأما الحظر: فلا يوجب كون دمه مضمونا عليه بالقصاص والمال، ألا ترى أن رجلا لو دخل دار الحرب بأمان: لم يجز له قتل أحد منهم، لما أعطاهم من الأمان؛ فإن قتلهم: لم تكن دماؤهم مضمونة.
وكذلك من أسلم من أهل الحرب، قد حظر دمه، وحقنه بإسلامه، ولو قتله مسلم قبل أن يخرج إلى دار الإسلام: لم يكن دمه مضمونا عليه، فغير جائز أن نجعل الحظر علة في ضمان الدم.
ولو أن رجلا وجب له قتل رجل في قصاص: كان الذي يجب له من ذلك: قتله بالسيف، فلو أحرقه بالنار: كان مسيئا، ولم يجب عليه شيء.
فإن قال قائل: هلا أوجبت عليهما جميعا القصاص.
قيل له: لما وافقتنا على وجوب القصاص على المكره، فقد ثبت انتقال حكم فعله إليه، فإذا حكمه ساقط عن المأمور، إذ غير جائز انتقال حكم فعله إلى الآمر، وبقاء حكمه على الفاعل، لاستحالة كون فعله