فإن قيل: روي في بعض الأخبار أنه قال: "إذا ارتفع إليك الخصمان، فلا تقض لأجدهما حتى تسمع من الآخر".
قيل له: اللفظان صحيحان، وهما مستعملان جميعا، لا يسقط أحدهما بالآخر، ويحمل الأمر على أنه قال الأمرين جميعا، فإذا ارتفعا جميعا، لم يقض لأحدهما حتى يسمع من الآخر، وإذا جاء أحدهما: لم يقض له أيضا حتى يسمع من الآخر بالخبر المطلق، الذي لم يذكر فيه حال ارتفاعهما إليه.
وأيضا: فإذا ثبت بالاتفاق أنه لا يقضي لأحدهما إذا كانا حاضرين، حتى يسمع من الآخر، قسنا على ذلك حال الغيبة، ويكون المعنى فيه: أنه جائز أن تكون للخصم حجة يدلي بها في إسقاط بينته.
فإن قيل: هذا المعنى موجود عند حضور وكيله، وفي سائر ما تقضون به على حاضر، ويبيع به على الغائب.
قيل له: الوكيل ومن يتوجه عليه القضاء من الحاضرين، فيلزم الغائب قائم مقام الغائب في الخصومة، فكأن الغائب حضر، فخوصم، فإذا توجه القضاء عليه، لا ينتظر كون حجة يدلى بها في الثاني، كذلك إذا حضر وكيله، أو من يتوجه بحضوره القضاء عليه.
وعلى أنه لو كان جواز القضاء على الغائب بحضور الوكيل والخصم الذي يتوجه بحضوره القضاء على الغائب أصلا فيما اختلفنا فيه، لكان جواز القضاء للغائب بحضور خصم تسمع منه البينة عليه أصلا في جواز القضاء للغائب وإن لم يحضر عنه خصم.