وعلى أنه لا خلاف بين الفقهاء أن إسلامه على يده: لا يوجب إثبات الولاء؛ لأنه لو كان كذلك، لوجب أن يكون كل من دعاء النبي عليه الصلاة والسلام إلى الإسلام، فأسلم: مولى للنبي عليه الصلاة والسلام، وكذلك من دعاه أبو بكر، وعمر، وما فتحاه من البلاد فأسلم أهلها، فدل ذلك على أن عقد الموالاة مشروط في حديث تميم الداري، فمن أجله كان أولى الناس بمحياه ومماته.
وأيضا: فإن من أصلنا: أن من لا وارث له، جازت وصيته بجميع ماله، وقال الموصى له فيه مقام الوارث، ومعاقدة الولاء تتضمن ذلك، فينبغي أن يصح له ذلك بالعقد، كما يصح بعقد الوصية، ومن أجل ذلك أحتاج أن يشرط في عقد الولاء: أنه يرثه، وإذا ثبت حكم الميراث من هذا الوجه، ثبت حكم العقل.
فإن قيل: كيف يجوز له معاقدة على عاقلته في إلزامه إياهم جنايته بقوله؟
قيل له: كما أجاز أن يلزمهم جنايته بعتقه لو أعتقه وهو عبد.
مسألة: [التحول بولاء المعاقدة]
قال أبو جعفر: (وله أن يتحول بولائه إلى غيره ما لم يعقل عنه).
قال أحمد: وذلك لأنه حق أوجبه له بقوله، متبرعا لم يعتض عنه عوضا، فهو بمنزلة الوصية، له أن يرجع فيه قبل موته، وبمنزلة الهبة له الرجوع فيها ما لم يقبض عنها.
وإنما لم يكن له أن يتحول بولائه بعد العقل؛ لأنه قد اعتاض عنه، وهو العقل الذي غرموه عنه، فليس له أن يرجع فيما أوجبه له من الولاء، كما أن الهبة إذا اعتاض عنها الواهب: لم يصح له الرجوع فيها.