الحدود التي هي حقوق الله تعالى، والمعنى فيها عند أبي حنيفة: أنها لا يصح بذلها من جهة الحكم.
وعند أبي يوسف ومحمد: أن ما لا تقبل فيه الشهادة على الشهادة، وشهادة النساء: لم يحكم فيه بالنكول؛ لأن النكول قائم مقام الإقرار ليس بصريحه، فلا يصح أخذه بما يقوم مقامه غيره.
فقال أبو حنيفة على هذا الأصل: لا يستخلف في دعوى النكاح، والفيء في الإيلاء، والرجعة بعد الطلاق، وفي دعوة الرق، والولاء، والاستيلاء، والنسب، والمعنى في جميع ذلك: أنه لا يصح بذله من جهة الحكم، والنكول بذل، فلا يصح أخذه بالنكول، وإذا لم يؤخذ بالنكول: لم يصح الاستحلاف عليه؛ لأنه يمكنه أن ينكل، ولا يلزم به شيء، فلا تكون اليمين حينئذ حقًا للمدعي، لأنها لو كانت حقًا له، لم يصح له إسقاطها عن نفسه بغير حق يلزمه، فثبت أن ما لا يصح أخذه بالنكول: لا يستحلف عليه.
وأيضًا: لما لم يصح بذلها: أشبهت الحدود، فلم يستحلف فيها، كما لا يستحلف في الحدود.
والدليل على أن النكول بذل: أن المدعى عليه مخير مع براءته من الحق بين أن ينكل أو يحلف، وهذه صورة البذل، أن يكون مخيرًا بين فعله وتركه مع عدم لزوم الحق، كالهبة لما كان الإنسان مخيرًا بين فعلها وتركها، من غير حق يلزمه، صار ذلك بذلًا.
وأيضًا: فلما لم يثبت للنكول حكم بنفسه، دون انضمام معنى آخر إليه، وهو قضاء القاضي به: كان بذلًا، كالهبة لما لم يثبت حكمها إلا بانضمام معنى آخر إليه، وهو القبض: كانت بذلًا، كذلك النكول.