لأن المسؤول في العلانية ربما لم يخبر بحقيقة ما يعلمه من حاله إلا لمحاباة للمسؤول عنه، أو خوفًا منه، أو ما جرى مجرى ذلك، فلذلك قال: يسأل عنهم في السر.
ومعنى قوله: ويزكيهم في العلانية: أن القاضي يظهر تزيته، وما بلغه من صلاح أمره.
لكن إن كان عند إنسان ممن لم يسأل عنه: ما يوجب الجرح: أخبر القاضي به، لئلا يقدم على قبول شهادته.
* (وأما في قول أبي يوسف ومحمد: فإن القاضي لا يقضي بشهادتهم حتى يسأل عنهم).
وذلك لأن الشهادات تسقطها الشبه، كالحدود، فينبغي له أن يستظهر فيها، كما يستظهر في الحدود في المسألة عن حال المقر بالزنى، والتثبت في أمره، كذلك الشهادة.
وأيضًا: فإن قبول شهادة العدول حق لله تعالى، ألا ترى أن المشهود عليه، لو رضي بأن تقبل عليه شهادة غير العدول: لم يلتفت إليه، فثبت أن اعتبار العدالة في شهادة الشهود من حق الله تعالى، فوجب أن يسأل عنهم، كما اتفقوا على أن عليه المسألة عن حال الشهود في الحدود؛ لأنها من حقوق الله تعالى.
والذي عندي: أن أبا حنيفة لو شاهد حال الناس، وما اشتملت عليه الكافة من فساد الأديان، وقبح الأفعال، لأوجب المسألة عن الشهود، ولم يحمل أمرهم على ظاهر العدالة.
* وإنما فرق أبو حنيفة بين الشهادة على الحدود وغيرها في المسألة عن الشهود؛ لأن الحدود قد أمر بالاحتياط فيها، وأمر بدرثها بالشبهة،