ألا ترى أنَّ من قال: امرأته طالق، أو قال: عبده حر: لم يكن حالفًا؛ لأنه أوقع طلاقًا، أو عتقًا باتًا، ولو قال: امرأته طالق إن دخل الدار، أو قال: عبدي حر إن كلَّمتُ زيدًا: كان حالفًا؛ لأنه عقد العتق والطلاق بمعنى قد يجوز أن يبرَّ فيه، ويجوز أن يحنث، فثبت بذلك أنَّ اليمين على الماضي ليست بمعقودة، فانتفى وجوب الكفارة فيها حينئذ من وجهين:
أحدهما: أنَّ الله تعالى إنما أوجب الكفارة في اليمين المعقودة، فلا يجوز إيجابها في غيرها، إذ لا سبيل إلى إثبات الكفارات من طريق المقاييس.
والثاني: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أدخل في أمرنا ما ليس فيه فهو رد"؛ فمن أوجب الكفارة في غير اليمين المعقودة، فقد أدخل في أمر النبي عليه الصلاة والسلام ما ليس منه، فقوله مردود.
ويدل على أن الكفارة لا تجب في غير اليمين المعقودة: قوله تعالى: {ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم}، وحفظ اليمين: مراعاتها لوقت وجوب الكفارة فيها عند الحنث، وليس يمكن حفظ اليمين الغموس، لأنها واقعة على ماض غير منتظر بها الحنث والبرُّ.
ويدل عليه أيضًا: أنَّ اللغو لا كفارة فيها، لأنها على الماضي، والدليل على ذلك أنَّ سقوط الكفارة فيها لا يخلو من أن يكون لأجل أنها على الماضي، أو لأنه لم يستحق بها مأثمًا، فلما لم يختلف حكم اليمين المعقودة فيما يتعلق بها من وجوب الكفارة أن يكون آثما في الحنث فيها،