وذلك لأن ما جعل للحم، غير جوازها عن الأضحية، ومتى اجتمع في الشيء جهة الحظر وجهة الإباحة، فجهة الحظر أولى بالإثبات.
والدليل عليه: أنَّ الإنسان يجوز له وطء ملك يمينه، فإذا كانت الجارية بينه وبين غيره: لم يحل له وطؤها، لأجل ما يملكه منها، وكانت جهة الحظر أولى.
وكذلك لو أنَّ مسلمًا ومجوسيًا ذبحا شاة: لم تكن مذكاة، لما شاركه فيها ما يوجب الحظر.
ويدل عليه: ما روي في حديث عدي بن حاتم عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال في الصيد: "إن شاركه كلب آخر: فلا تأكله، فإنك إنما سميت على كلبك".
وأيضًا: فإن ما تعلق بها من إراقة الدم، لما لم يكن معنى يتبعض، جعل الكل كأنه واقع لكل واحد منهم على الوجه الذي ذبح عليه، فإذا أراد واحد منهم اللحم، صار الجميع كأنه أريد به اللحم، وإذا حصل الجميع للحم: لم يجز واحدًا منهم؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما قال لأبي بردة بن نيار حين ذبح قبل الصلاة: "تلك شاة لحم": أفاد بذلك أنَّ كل مذبوح حصل للحم، لا يجزئ عن القربة.
وأيضًا: فإن ما كان سبيله أن يخرج لله تعالى، فغير جائز إخراجه مشاعًا غير مميز عن حق آدمي، ألا ترى أنه لو جعل نصف داره مشاعًا مسجدًا لله تعالى: لم يصح، ولم تخرج بذلك عن ملكه.