فلما كان قد صح رجوع الاستثناء إلى زوال سمة الفسق، وهو الذي يليه، لم يجز لنا أن نرده إلى ما تقدمه إلا بدلالة، وكذلك قال أهل اللغة في حكم الاستثناء.

ويدل عليه قوله تعالى:} إلا أل لوطٍ إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته {، وكانت المرأة مستثناه من المنجين دون من يليها في الخطاب ممن تقدم ذكرهم.

ويدل عليه: أن قائلاً لو قال: لفلان على عشرة دراهم إلا ثلاثة دراهم إلا درهمًا، أن الدرهم مستثنى من الثلاثة، لأنه هو الذي يليها، والثلاثة مستثناه من العشرة.

وأيضًا: لو رددنا الاستثناء إلى ذكر بطلان الشهادة، لبطلت فائدة ذكر التأبيد، ومتى أمكننا استعمال اللفظ على فائدته، لم يجز لنا إسقاطها.

وأيضًا: فإن هذا يؤدي إلى إسقاط فائدة ذكر بطلان الشهادة رأسًا، إذ كان بطلانها موقوفًا على التوبة، كما وقفه لزوم سمة الفسق على التوبة، ومعلوم أن لزوم هذه السمة يبطل الشهادة حتى يتوب.

وأيضًا: فإن قوله تعالى:} ولا تقبلوا لهم شهادة أبدًا {: أمر، وقوله سبحانه:} وأولئك هم الفاسقون {: خبر مستأنف، لا يجوز دخوله في الأمر الأول، فوجب أن لا يرجع الاستثناء إليه، ألا ترى أنه لو قال: أعظ زيدًا درهمًا، وعبدي حر إن شاء الله تعالى، أن الاستثناء راجع إلى الحرية دون الأمر بإعطاء زيد، كذلك ما وصفنا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015