فصار تقديره: لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده بالكافر الذي تقدم ذكره، والكافر الذي لا يقتل به ذو العهد هو الكافر الحربي المستأمن، فثبت أن المراد مقصور على الحربي.
فإن قيل: الضمير في: "ذي العهد": قيل: مطلق، ويصح الخطاب به، كأنه قال: لا يقتل مؤمن بكافر، ولا يقتل ذو عهد في عهده، فأفادنا أن عهده يحظر دمه.
قيل له: قد بينا أن الكلام المفتقر إلى الإضمار: سبيله أن يكون ضميره ما تقدم ذكره في أول الخطاب، ومعلوم أن الذي جرى ذكره في ابتداء الخطاب ليس هو قتلًا على الإطلاق، فيضمر في النسق، وإنما المذكور بدءًا قتل مخصوص، وهو القتل على وجه القصاص، فكأنه قال: "ولا يقتص من ذي عهد في عهده بالكافر"، ولو أضمرنا فيه قتلًا مطلقًا، كنا قد أضمرنا فيه غير ما أظهره بدءًا، وهذا لا يجوز.
وأيضًا: فحكم كل كلام النبي صلى الله عليه وسلم أن يحمل على فائدة مجددة، ولو حملناه على ما قلت، لسقطت فائدته؛ لأنه يكون مقصورًا على النهي عن بعض العهد، وخفر الأمان، وقتل من لا يستحق القتل، وهذا معنى قد علمناه بغير هذا الخبر، فاقتضى الخبر فائدة غيره، ولا فائدة فيه إلا ما وصفنا.
فإن قيل: لو سلمنا أن المراد نفي القصاص عن ذي العهد، لم يكن فيه دلالة على أن أول الخطاب مقصور على كافر حربي؛ لأن تقديره: لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده بكافر، فأقل أحواله أن يقتل ذو العهد بكافر أي كافر كان، وهذا هو مقتضي اللفظ، إلا أن تقوم الدلالة على أن ذا العهد يقتل ببعض الكفار، وهم الذميون، وليس في ذلك ما ينفي أن