قأما إن أوصى بها للفقراء والمساكين: فإن الوصية لا تصح بهما في قول أبي حنيفة، وتصح في قول محمد.
وأما بغلة العبيد، والدار: فتصح في قولهم جميعًا.
وفرق أبو حنيفة بين الوصية بالمنافع لفقراء بغير أعيانهم، وبينها إذا كانت بالمال، من قبل أن الوصية بالمنافع للفقراء جارية مجرى الإباحة والعارية، إذ لم يستحقها واحدٌ بعينه.
ألا ترى أن الوصي لو أسكنها فقيرًا، أو أخدمه العبيد ساعة: كان له أن يأخذها منه، فلم يستحق السكنى والخدمة إلا على سبيل العازية، والعارية لا يستحق بها شيء، ألا ترى أنه لو أوصى بعارية عبده أو داره لغير معين لم تصح.
وأما إذا كانت وصية لإنسان بعينه، فإنه يستحق المنافع، دون سائر الناس، وليس للوصى إخراجه منها، ولا صرفها إلى غيره، فجرى مجرى المنافع المستحقة بالعقود الموجبة لها.
وإنما جازت الوصية بالمنافع لما كانت لأعيان، لقول الله تعالي:} من بعد وصية يوصى بها أو دين {، وعمومه يقتضى جوازها بالمنافع وغيرها.
وكما جاز تمليك المنافع بعقد الإجارة، جاز تمليكها بالوصية، وجهالتها لا تمنع صحة الوصية؛ لأنها تجوز بالمجاهيل، ألا ترى أن الوصية بالثلث جائزة، وهو لا يدري كم يكون مقداره وقت الموت.