فعلمنا أن المضاربة ليست بأصل للمزارعة والمساقاة، إذ ما صح به أحدهما: بطل به الآخر، وما بطل به أحدهما: صح به الآخر.
فإن قال قائل: المساقاة مثل المضاربة؛ لأن الأصل يحصل فيهما جميعا للدافع، ثم النماء والربح بينهما.
قيل له: فلو شرط في المساقاة قلع النخل واستبدالها بنخل آخر، وغرسها كما شرط في المضاربة التصرف في رأس المال واستهلاك عينه: لبطلت المساقاة عندك، فكيف يجوز أن تكون المضاربة أصلا لها؟ ونفس ما انعقدت عليه المضاربة لا يجوز انعقاد المساقاة على مثله.
ويقال له: فلا تجز المزارعة في الزرع الذي بين أضعاف النخل، إذ كان بمنزلة المضارب إذا شرط له قسمة رأس المال مع الربح.
ثم يقال له: إن كانت المعاملة بمنزلة المضاربة لحصول الأصل لرب المال قبل قسمة الربح والنماء، فأجزها في سائر الشجر، وفي دفع الغنم إلى الراعي ببعض أولادها لوجود العلة.
وعلى أن الشافعي زعم في كتاب المزارعة أنه إنما أجاز المقارضة قياسا على المعاملة، وهذا قياس طريف ما أعلم أحدا من القائسين اهتدى له!.
وذلك أن المقارضة أصل قد أقر النبي صلى الله عليه وسلم الأمة