وكذلك ما روى صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الشفعة فيما لم يقسم، وتعرف حدوده".
معناه: أن هذه الشفعة التي تجب بالشركة، لا تجب بغيرها من الجوار ونحوه.
*ويدل على صحة قولنا من طريق النظر: أن العلة الموجبة للشريك الشفعة، هو خوف التأذي على الدوام، وذلك موجود في الجار، لأن التأذي قائم على جهة الدوام والبقاء.
وأيضا: اتفقنا على أن الشركة في العروض لا توجب الشفعة، فلو كانت الشفعة مستحقة لأجل الشركة، لوجبت في العروض أيضا لوجود الشركة، فدل على أن وجوبها للشريك في العقار إنما هو لما تعلق بها من معنى الجوار؛ لأنه يستحق بهذه الشركة أن يصير جارا، فلما كانت العلة الموجبة للشفعة عند الشركة إنما هي الجوار، وهي موجودة في الجار، وجبت الشفعة به.
وليس يمتنع أن يكون الجوار والشركة كل واحد منهما سببا تستحق به الشفعة على الانفراد، وإذا اجتمعا كان الشريك أولى، وإن كان الشريك إنما يستحقها أيضا بمعنى الجوار، كما أن الأخ من الأب يستحق الميراث على الانفراد بتعصيبه من جهة الأب، وكذلك الأخ من الأب والأم، ثم إذا اجتمعا: كان الأخ من الأب والأم أحقهما به وإن كان نسبه من الأم على حياله لا يستحق به التعصيب.