وأما النظر: فهو أن كونه مأكولا صفة لازمة للمأكولات، والكيل والوزن صفتان قد يفارقان المكيلات والموزونات مع وجود أعيانها؛ لأنهما يلزمانها بجريان العادة بالوزن والكيل.
ومن جهة أخرى: إن علة الكيل والوزن مقصورة على بعض المنصوص دون بعض، وعلة الأكل تعم جميعه.
والجواب: أن قوله تعالى: {لا تأكلوا الربا}: ليس بعموم؛ لأنه مجمل يحتاج إلى بيان في استعمال حكمه، لما بينا فيما سلف من أن الربا اسم يقع في الشرع على معان لم تتناولها اللغة قبل مجيء الشرع، فتحتاج أن تثبت أولا أنه ربا، حتى يتعلق به حكم التحريم.
فإن قيل: كيفما تصرفت الحال، فالحظر إنما يتناول المأكول.
قيل له: إنما يتناول مأكولا حصل ربا، فينبغي أن نثبت أنه ربا.
وأيضا: قد تثبت الربا في المأكولات إذا كانت مكيلة أو موزونة، ومتى أوجبنا ذلك، فقد قضينا عهدة الآية.
وأما حديث معمر بن عبد الله في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام بالطعام، فإنه لفظ مخصوص في العرف، يتناول أشياء مخصوصة من المأكول دون جميعه.
يدل على ذلك ما حدثنا عن محمد بن علي بن زيد الصائغ قال: حدثنا سعيد بن منصور، وحدثنا عن يوسف بن يعقوب قال: حدثنا أحمد بن عيسى قالا: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث أن أبا النضر حدثه أن بسر بن سعيد حدثه عن معمر بن عبد الله، وذكر الحديث إلى أن قال: