يبقى لنا أن نتكلم على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا قلنا بحرمة عرض النبي صلى الله عليه وسلم فسنقول بحرمة الكلام على النبي صلى الله عليه وسلم على نفس الخلاف.
فنقول: عرض النبي صلى الله عليه وسلم لا بد أن يكون محفوظاً، وهذا يتمثل في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فأزواج النبي صلى الله عليه وسلم هن الفضليات الكريمات الصالحات العابدات القانتات أمهات المؤمنين والمؤمنات رضي الله عنهن أجمعين.
وقد جعل الله جل في علاه مكانتهن بمكانة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الأحزاب:32]؛ لأنكن تتفوقن على جميع النساء.
وقال الله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب:6] حتى إن فاطمة تقول لـ عائشة أم المؤمنين: يا أمي! مع أنها تكبر عائشة بثمان سنوات؛ وما هذا إلا لأنها أم المؤمنين رضي الله عنها وعن فاطمة.
والغرض المقصود: هو أن الله جل في علاه جعل لهن المكانة العالية، فمن تجرأ على عرض واحدة منهن وبالذات على عائشة فقد كفر؛ لأنها مبرأة من فوق سبع سموات، وقد خاض المنافقون في عرضها، فأنزل الله براءتها من فوق سبع سموات فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور:23] إلى أن قال: {أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} [النور:26] والمقصودة بهذه الآية وبالإجماع: عائشة رضي الله عنها وأرضاها؛ (لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي تبكي فتصبب عرقاً ونزل عليه الوحي فقرأ الآيات وقال لـ عائشة: أبشري فإن الله قد برأك من فوق سبع سموات، فقالت أم رومان: قومي فاحمدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: والله لا أحمد إلا رب محمد صلى الله عليه وسلم فذهبت وسجدت لله شكراً).
فمن تجرأ على عرض عائشة رضي الله عنها وأرضاها فقذفها بالزنا، أو كما يفعل الرعاع مثلاً فيسمون البقرة بهذا الاسم فهو كافر كفراً أكبر يخرج من الملة وكفره ظاهر جلي، وأقول زيادة على ذلك: إن من لم يكفره فهو كافر، فمن سمع أحداً يقذف عائشة في عرضها رضي الله عنها وأرضاها وسكت دون خوف أو إكراه واستطاع الرد فلم يرد فهو كافر خارج من الملة فضلاً عن الذي قذف عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
والدلالة على ذلك من وجهين: الوجه الأول: هو تكذيب الله جل في علاه، فمن قذف عائشة بفعل الفاحشة فقد كذب الله، والله جل في علاه يقول: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء:122].
ويقول: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء:87]، فإن الله جل في علاه هو الذي برأها بقوله: {أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} [النور:26].
فالوجه الأول في تكفير من وقع في عرض عائشة: هو أنه كذب الله جل في علاه.
والوجه الثاني: أنه تجرأ على عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فآذى رسول الله، وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً في الناس -عند ما سمع الكلام على عائشة من عبد الله بن أبي بن سلول - فتكلم عن رجل يسبه في عرضه وفي زوجه وما علم عن زوجه إلا الخير، فقام أسيد بن حضير فقال: يا رسول الله! إن كان منا ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا أشرت إلينا ماذا نفعل فيه، فقام سعد بن عبادة فقال: لا والله لا تستطيع قتله، فقام أسيد فقال له: والله إنك لمنافق تجادل عن المنافقين، فكاد الحيان أن يقتتلا من أجل هذه المسألة.
والشاهد فيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بلغني الإيذاء في أهلي) فالإيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم كفر كما بينا من صريح قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [الأحزاب:57] واللعن: هو الطرد من رحمة الله جل في علاه.
أما سائر أمهات المؤمنين والباقيات الفضليات من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقد اختلف العلماء في حكم من تجرأ عليهن، وهذا الخلاف ضعيف، والحق أن يقال: إن الحكم هذا يجري على الباقي من نسائه صلى الله عليه وسلم، وإنما خصصت عائشة بالذكر لأن المنافقين خاضوا فيها، فمن تكلم في أي امرأة تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم فهو كافر؛ لأنه أوصل الأذى للنبي صلى الله عليه وسلم، فالفارق إذاً: بين سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبين عائشة: أن من وقع في عائشة فإنه يكفر من وجهين: الوجه الأول: تكذيب القرآن.
والوجه الثاني: إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم.
أما سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يكفر من وجه واحد: وهو إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم.
والغرض المقصود: أنه لا بد أن تعرف لنساء النبي صلى الله عليه وسلم قدرهن، وتعلم أنهن من مكانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الوقوع في عرض واحدة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يستوجب الكفر لمن تجرأ على ذلك.
بقي علينا أن نختم الباب والكتاب بالكلام على فضل الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ثم الكلام على من وقع فيهم، ثم الكلام بعد ذلك على حكم من طعن في أبي بكر وعمر بالذات.