. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَتَعَالَى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [الْقَصَصِ: 73] ، أَيْ: جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ، وَالنَّهَارَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفِينَ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْفِقْهِ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ، فَقَالَ الْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الصَّيْقَلِ مِنْ أَصْحَابِنَا: هُوَ الْعِلْمُ وَالْفَهْمُ. يُقَالُ: فُلَانٌ يَفْقَهُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ، وَيَفْقَهُ كَلَامَ فُلَانٍ، أَيْ: يَفْهَمُهُ وَيَعْلَمُهُ.
وَقَالَ الْقَاضِي فِي " الْعُدَّةِ ": الْفِقْهُ فِي اللُّغَةِ: الْعِلْمُ، ثُمَّ ذَكَرَ الْمِثَالَ الْمَذْكُورَ قَبْلُ.
قَالَ: وَذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَنَّ الْفِقْهَ فِي اللُّغَةِ: الْفَهْمُ.
وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: الْفِقْهُ: هُوَ الْفَهْمُ وَالْعِلْمُ وَالشِّعْرُ وَالطِّبُّ لُغَةً، وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ بَعْضُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ بِبَعْضِ الْعُلُومِ بِسَبَبِ الْعُرْفِ، وَحَكَاهُ عَنِ الْمَازِرِيِّ فِي " شَرْحِ الْبُرْهَانِ ".
قُلْتُ: كُلُّ ذَلِكَ لَهُ أَصْلٌ فِي اللُّغَةِ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ فِي " الْمُجْمَلِ ": الْفِقْهُ الْعِلْمُ، وَكُلُّ عِلْمٍ بِشَيْءٍ فَهُوَ فِقْهٌ.
غَيْرَ أَنَّ الْجَوْهَرِيَّ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ أَنَّ الْفِقْهَ الْفَهْمُ، وَهُوَ الْأَكْثَرُ الْمَشْهُورُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ بَيْنَ الْفَهْمِ وَالْعِلْمِ مُلَازِمَةً، إِذِ الْفَهْمُ يَسْتَلْزِمُ عِلْمَ الْمَعْنَى الْمَفْهُومِ، وَالْعِلْمُ يَسْتَلْزِمُ فَهْمَ الشَّيْءِ الْمَعْلُومِ، فَيُشْبِهُ أَنَّ مَنْ سَمَّى الْفِقْهَ عِلْمًا تَجَوَّزَ فِي ذَلِكَ لِهَذِهِ الْمُلَازَمَةِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي (فَهِمَ) : فَهِمْتُ الشَّيْءَ فَهْمًا، عَلِمْتُهُ، إِذْ لَوْ كَانَ الْفَهْمُ الْعِلْمَ حَقِيقَةً مَعَ قَوْلِهِ: الْفِقْهُ الْفَهْمُ، لَكَانَ الْفِقْهُ هُوَ الْعِلْمَ، فَكَانَ تَفْسِيرُهُ بِهِ بِدُونِ وَاسِطَةِ الْفَهْمِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَشْهَرُ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَغَايُرِ الْفِقْهِ وَالْفَهْمِ، أَنَّ الْفِقْهَ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعَانِي دُونَ الْأَعْيَانِ، وَالْعِلْمُ