. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إِذَا ثَبَتَ هَذَا عُدْنَا إِلَى لَفْظِ الْمُخْتَصَرِ.
فَالْفِقْهُ فِي الْوَضْعِ: " الْفَهْمُ "، كَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْأَكْثَرُونَ. يُقَالُ: فَقِهْتُ الْكَلَامَ، أَيْ: فَهِمْتُ غَرَضَ الْمُتَكَلِّمِ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ قَالَ فِي " الْمَحْصُولِ ": الْفِقْهُ فِي اللُّغَةِ: عِبَارَةٌ عَنْ فَهْمِ غَرَضِ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ كَلَامِهِ.
وَقَوْلُهُ: " وَمِنْهُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا " هُوَ اسْتِدْلَالٌ عَلَى أَنَّ الْفِقْهَ الْفَهْمُ، أَيْ: وَمِمَّا أُطْلِقَ فِيهِ الْفِقْهُ بِمَعْنَى الْفَهْمِ، قَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ قَوْمِ شُعَيْبٍ أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ: {يَاشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ} [هُودٍ: 91] ، أَيْ مَا نَفْهَمُ كَثِيرًا مِنْ قَوْلِكَ، وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الْإِسْرَاءِ: 44] أَيْ لَا تَفْهَمُونَ، لِأَنَّكُمْ مَحْجُوبُو الْأَسْمَاعِ عَنْ سَمَاعِهِ، كَمَا أَنَّكُمْ مَحْجُوبُو الْأَبْصَارِ عَنْ رُؤْيَةِ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَالْهَوَاءِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يُرَى، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا} [الْكَهْفِ: 93] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النِّسَاءِ: 78] ، وَقَوْلُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي} {يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه: 28] ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِمَعْنَى يَفْهَمُونَ.
وَقَوْلُهُ: " أَيْ مَا نَفْهَمُ وَلَا تَفْهَمُونَ " هُوَ تَفْسِيرٌ لِمَعْنَى الْفِقْهِ فِي الْآيَتَيْنِ، لِأَنَّهُ ذَكَرَهُمَا مُتَوَالِيَتَيْنِ، ثُمَّ ذَكَرَ تَفْسِيرَهُمَا مُتَوَالِيًا، وَهُوَ يُسَمَّى اللَّفَّ وَالنَّشْرَ، فَتَقْدِيرُهُ: مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا، أَيْ مَا نَفْهَمُ، وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ أَيْ: لَا تَفْهَمُونَ. وَمِثْلُهُ فِي اللَّفِّ وَالنَّشْرِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ