هذا الاستفتاح مقدم عند الحنابلة على غيره من أنواع الاستفتاحات، مع أنه ورد صيغ كثيرة في الاستفتاح، ومن أصحها -إن لم يكن هو الأصح- حديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما حيث سأل النبي -عليه الصلاة والسلام-: أرأيت سكوتك بين التكبيرة والقراءة ما تقول؟ فقال: ((أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ... )) إلى آخره، وهذا في الصحيحين، مصرح فيه بالرفع، وهذا في مسلم سياقه سياق الوقف، لكن هل يمكن أن يقول عمر مثل هذا الدعاء المرتب بهذه الصيغ من تلقاء نفسه؟ من غير توقيف من النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ أهل العلم يقولون: هذا له حكم الرفع، وإن لم يصرح عمر برفعه، وذكره عمر -رضي الله تعالى عنه- على المنبر، ولم يستدرك عليه أحد من الصحابة، والمرجحات لهذا الاستفتاح على غيره من أنواع الاستفتاح، أو من صيغ الاستفتاح استوفاها ابن القيم في الهدي، المرجحات لهذا الاستفتاح ذكرها ابن القيم -رحمه الله- في زاد المعاد، وجعله أولى من غيره، والحنابلة يعتمدونه مع أن حديث أبي هريرة أصح منه في الصحيحين وغيرهم، وهناك أنواع استفتاحات، وصيغ وألفاظ وجمل استفتح النبي -عليه الصلاة والسلام- بها صلاته، فمنها ما يحمل على صلاة الليل ((اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة ... )) إلى آخره، ومنها ما أطلق فيه أنه استفتح به، فيسوغ أن يستفتح به في الفريضة والنافلة للمنفرد والجماعة، إلا أن الاستفتاحات المطولة مما يشق على المأموم ينبغي أن تكون في حال الانفراد، ولا يمنع أن يستفتح بها أحياناً.
أما الجمع بين أكثر من استفتاح فلا؛ لأن بعض الناس ما دام الاستفتاحات كلها ثابتة لماذا لا يجمع بينها؟ فتسمع من بعض الناس، سبحانك اللهم وبحمدك إلى آخره، ثم يقول: اللهم باعد بيني وبين خطايا، وقال بهذا بعض من ينتسب إلى العلم، يعني مثلما قيل في الصلاة خير من النوم لا حول ولا قوة إلا بالله، يجمع بينها، فيقول: الصلاة خير من النوم للدليل العام، أقول مثل ما يقول، ويقول: ربنا ولك الحمد للدليل الخاص، فيجمع بينها.