منه ذلك، بل مسجد قباء أسس على التقوى، وأوليته مطلقة؛ لأنه لم يتقدمه شيء، ومسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- أسس على التقوى، وأوليته نسبية؛ لأنه تقدمه مسجد قباء، فيقال: مسجده -عليه الصلاة والسلام- أول مسجد أسس في داخل المدينة، على كل حال الحديث متكلمٌ فيه، الذي فيه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سأل أهل قباء عن عملهم، والكلام فيه طويل لأهل العلم، ولا شك أنه من حيث النظر إتباع الماء الحجارة يعني يستنجي بالحجارة ويخفف النجاسة فلا يباشرها بيده، ثم بعد ذلك يستنجي بالماء هذا أكمل في قطع النجاسة من حيث النظر، أما من حيث الأثر فينظر في ثبوت ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثبت عنه أنه استنجى بالأحجار، وقال لابن مسعود: ((ائتني بثلاثة أحجار)) ولم يثبت عنه أنه أتبعه الماء، وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- من حديث أنس أنه كان يحمل هو وغلامٌ نحوه إداوة من ماء فيستنجي بها -عليه الصلاة والسلام-، ثبت عنه أنه استعمل الماء، وثبت عنه أنه استعمل الحجارة، لكن هل ثبت عنه أنه يجمع بينهما، وإن كان النظر يقتضي أنه أكمل، لكن لا أعرف ذلك يثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-، فالاقتصار على الماء طهارة كاملة، والاقتصار على الأحجار طهارة كاملة.
طالب:. . . . . . . . .
من حيث النظر الجمع بينهما أكمل، من حيث النظر كون هذا يخفف النجاسة بنسبة 99%، وهذا يقطعها بالكلية، ويجعل اليد لا تباشر النجاسة هذا أكمل من حيث النظر، لكن العبرة بفعله -عليه الصلاة والسلام-، وكره بعض السلف الاستنجاء بالماء، كرهه بعضهم، نقل عن بعض السلف عن ابن عمر وغيره أنه كره الاستنجاء بالماء، وأن هذا بالنساء أليق، لكن ما دام ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه استنجى بالماء فلا كلام لأحد، منهم من يعلل بأنه مطعوم، الماء مطعوم، فكيف يستنجى به، لكن ما دام ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا كلام لأحد، وإذا جاء نهر الله -كما قال الإمام مالك- بطل نهر معقل، فلا مجال للتعليلات ما دام الفعل ثابتاً عنه -عليه الصلاة والسلام-.