"باب الاستطابة والحدث" الاستطابة هي تطييب المحل المتنجس، والسين والتاء للطلب، يعني طلب طيب المحل، أو إطابة المحل بعد خروج النجاسة من المخرجين بالاستنجاء أو الاستجمار، فالاستنجاء يكون بالماء من قولهم: نجوت الشجرة أي قطعتها، والماء لا شك أنه يقطع النجاسة، ويزيل أثرها بالكلية، والاستجمار استعمال الحجارة التي هي الجمار في إزالة أو تخفيف هذه النجاسة عن المحل الخارج بحيث لا يبقى منها أثر إلا ما لا يزيله إلا الماء، فالضابط في الاستنجاء عندهم عود خشونة المحل، وفي الاستجمار أن لا يبقى من الأثر إلا ما لا يزيله إلا الماء، قد يقول قائل: إذا كان الاستجمار لا يقطع النجاسة بالكلية فكيف يصلي وبه أثر النجاسة، به أثر نجاسة لا يزيلها إلا الماء، قلنا: ما دامت السنة، السنة الصحيحة ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه اكتفى بالأحجار قلنا: إن هذا مجزئ ويكفي، وإن كان الجمع بينهما بين الاستنجاء والاستجمار أكمل؛ لأن الاستجمار يزيل الأثر ولا يبقى إلا شيء يسير، بحيث لا تباشر اليد النجاسة، ثم بعد ذلك يأتي الماء الذي يزيل الأثر بالكلية، وجاء عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أنها قالت: ((مرن أزواجكن -تخاطب النساء- أن يتبعوا الحجارة الماء فإني أستحيي منهم)) وجاء أيضاً لما نزل قول الله -جل وعلا-: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ} [(108) سورة التوبة] فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- لأهل قباء: ((يا أهل قباء الله -جل وعلا- مدحكم بالطهارة)) فأخبروه أنهم يستنجون بالماء بعد الحجارة، على كل حال الحديث فيه كلام لأهل العلم، وهذا تابعٌ لمسألةٍ هي: هل مسجد قباء هو أول مسجد أسس على التقوى، أو المراد به مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ أما الأولية المطلقة فمسجد قباء لا شك أنه بني قبل مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجاء في الصحيح ما يدل على أن أول مسجد أسس على التقوى هو مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه سئل عنه فأخذ كبة من حصا ورماه في مسجده، وقال: ((هذا)) فدل على أن المراد بالمسجد الذي أسس على التقوى هو مسجده -عليه الصلاة والسلام-، لكن هل يلزم من هذا أن مسجد قباء لم يؤسس على التقوى؟ لا يلزم