قد يقول قائل: إنه -عليه الصلاة والسلام- تمضمض واستنشق بعد أن غسل يديه، وهذا معروف، فكيف يكون الترتيب واجب مع أن المضمضة والاستنشاق بعد غسل اليدين؟ المضمضة والاستنشاق كما هو معلوم الخلاف في وجوبهما معروف، والخلاف في دخول الأنف والفم في الوجه أمرٌ مختلف فيه، وسبق بيانه، والأمر فيهما ليس كالأمر في الأعضاء الأربعة، بمعنى أنه لو ترك المضمضة والاستنشاق، بالغ في الاستنشاق ((إذا توضأت فمضمض)) ((إذا توضأ أحدكم فليجعل في منخريه من الماء)) ((إذا توضأ أحدكم فلينتثر)) هذه أوامر، لكن هل معنى هذا أن الوضوء يبطل بترك المضمضة والاستنشاق كبطلانه بعدم غسل اليدين أو الرجلين؟ لا، المسألة أخف.
ولا شك أن من غسل يديه قبل وجهه وضوؤه باطل، وأما بالنسبة للمضمضة والاستنشاق فالأمر فيهما أخف، ولا يقاس عليهما الفروض الواردة في الكتاب والسنة المؤكد عليها.
فالترتيب الذي جاء في آية الوضوء مع كونه -عليه الصلاة والسلام- بين ما جاء في الآية بفعله -عليه الصلاة والسلام- الذي لم يخل به ولا في وضوء واحد دل على أنه بيان للواجب وبيان الواجب واجب.
منهم من يقول: إن الترتيب ليس بواجب، المقصود أن يغسل هذه الأعضاء كما أمر الله، لكن الواو لا تقتضي الترتيب، وهذا قول جمع من أهل العلم، ولكن المرجح هو الأول.
بعد هذا الموالاة، الموالاة: وهو الفرض السادس من فرائض الوضوء، بمعنى أنه لا يترك غسل العضو حتى ينشف الذي قبله في الزمن والوقت والظرف المعتاد، لا يترك العضو غسل العضو حتى ينشف الذي قبله، غسل وجهه ثم انتظر، فلم يغسل يديه حتى نشف الوجه في وقت ليس بحار ولا فيه ريح شديدة يمكن أن تنشف الوجه قبل غسل اليدين، تراخى عن غسل اليدين حتى نشف الوجه.
ومنهم من يجعل الضابط في عموم الوضوء، بمعنى أن لا يترك غسل الرجلين حتى ينشف الوجه مثلاً، ولا ينظر في العضو الذي قبله، وهذا قولٌ معروف عند أهل العلم؛ لأن الوضوء في حكم الشيء الواحد، فلا يترك حتى ينشف أوله.