قال ابن حزم في المحلى: فإذا تم حدثه فحينئذٍ جاز له الوضوء والمسح ولا يبالى بالاستنجاء؛ لأن الاستنجاء بعد الوضوء جائز وليس فرضه أن يكون قبل الوضوء ولا بد؛ لأنه لم يأت بذلك أمر في قرآن ولا سنة، وإنما هي عين أمرنا بإزالتها بصفة ما للصلاة فقط، فمتى أزيلت قبل الصلاة وبعد الوضوء أو قبل الوضوء فقد أدى مزيلها ما عليه، وليس بقاء البول في ظاهر ... يقول: وبقاء النجو في ظاهر المخرج حدثاً إنما الحدث خروجهما من المخرجين فقط، فإذا ظهرا فإنهما خبثان في الجلد تجب إزالتهما للصلاة فقط، فمن حينئذٍ يعد سواء كان وقت صلاة -في سقط- أو لم يكن؛ لأن التطهر للصلاة قبل دخول وقتها جائز.
يقول: قال في بدائع الصنائع: فالاستنجاء سنة عندنا، وعند الشافعي فرض، حتى لو ترك الاستنجاء أصلاً جازت صلاته عندنا، ولكن مع الكراهة، وعنده لا يجوز، والكلام فيه راجع إلى أصل -إن شاء الله- سنذكره وهو أن قليل النجاسة الحقيقية في الثوب والبدن عفو في حق جواز الصلاة عندنا، وعنده ليس بعفو، ثم ناقض في الاستنجاء فقال: إذا استنجى بالأحجار، ولم يغسل موضع الاستنجاء جازت صلاته، وإن تيقنا ببقاء شيء من النجاسة، إذ الحجر لا يستأصل النجاسة، وإنما يقللها، وهذا تناقض ظاهر.
كأنه يسوي بين اختيارهم في العفو عن النجاسة من غير معالجة لها كما هو رأي الحنفية، وبين بقاء شيء من النجاسة الذي هو أثرها بعد معالجتها، وفرق بين الأمرين، الاستنجاء ثابت بالدليل القطعي من فعله -عليه الصلاة والسلام-، ومعلوم أن الاستنجاء لا بد أن يبقى منه أثر، ومن النجاسة أثر لا يزيله إلا الماء، وهذا ضابط الاستنجاء المجزي على ما سيأتي، ففرق بين أن يبقى شيء بعد معالجة النجاسة كما جاء في أثر الدم تفعل ما أمرت به المرأة بالنسبة لدم الحيض، ثم بعد ذلك إذا بقي الأثر فإنه لا يضر.
قال في حاشية ابن عابدين: أقول: قد يقال: إن النجاسة مادامت في محلها لا عبرة لها، ولذا كان الاستنجاء سنة للرجال والنساء بغير غسل مع أن الخارج نجس باتفاق.