السفر مأخوذ من الإسفار، والإسفار لا يطلق إلا إذا أسفر يعني برز وخرج عن البلد، خرج عن البلد وأسفر؛ لأن الأبنية تحجب بعض السفر الذي هو النور، وخارج الأبنية السفر بأجلى صوره، والسفر هو البروز كما يقال للمرأة: سافرة إذا أبرزت شيئاً من محاسنها.
لكن هنا يقول: ويؤيد ذلك أن الحكم في نهي المرأة عن السفر وحدها متعلق بالزمان، فلو قطعت مسيرة ساعة واحدة مثلاً في يوم تام لتعلق بها النهي، بخلاف المسافر فإنه لو قطع مسيرة نصف يوم مثلاً في يومين لم يقصر فافترقا، يعني لو سافر مسافة عشرين كيلو، لكنه بدلاً من أن يمشي على قدميه سرعة معينة خفف أو كل ما مشى له خطوات جلس يستريح، أو قارب الخطى، أو تريث في مشيه، فإنه لا يتم المطلوب وهو الترخص.
وأقل ما ورد في ذلك لفظ "بريد" إن كانت محفوظة، وسنذكرها في آخر هذا الباب، وعلى هذا ففي تمسك الحنفية بحديث ابن عمر على أن أقل مسافة القصر ثلاثة أيام إشكال، ولا سيما على قاعدتهم بأن الاعتبار بما رأى الصحابي لا بما روى، العبرة بما رأى لا بما روى، ولذلك قد تقدم يرون أن الإناء يغسل من ولوغ الكلب ثلاثاً؛ لأن أبا هريرة أفتى بذلك، مع أن حديثه في الصحيح يغسل سبعاً، فهم يقولون: العبرة بما رأى لا بما روى، إذا اختلف رأيه عن روايته فيقدم رأيه، خلاف قول الجمهور، وهنا اختلف رأيه مع روايته، قال: ففي تمسك الحنفية بحديث ابن عمر على أن أقل مسافة القصر ثلاثة أيام إشكال، ولا سيما على قاعدتهم بأن الاعتبار بما رأى الصحابي لا بما روى، فلو كان الحديث عنده لبيان أقل مسافة القصر لما خالفه، وقصر في مسيرة اليوم التام.
وقد اختلف عن ابن عمر في تحديد ذلك اختلافاً غير ما ذُكر، فروى عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني نافع أن ابن عمر كان أدنى ما يقصر الصلاة فيه مال له بخيبر، وبين المدينة وخيبر ستة وتسعون ميلاً، أدنى ما يقصر الصلاة فيه مال له بخيبر، بينها وبين المدينة ستة وتسعون ميلاً هذا أطول.
وروى وكيع من وجه آخر عن ابن عمر أنه قال: "يقصر من المدينة إلى السويداء" وبينهما اثنان وسبعون ميلاً.