إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71].
أما بعد.
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد.
حديثنا عن القسم الثالث، وسنتحدث عنه باستفاضة، ونتعرض للخلاف مع المالكية والترجيح في ذلك.
القسم الثالث: الماء النجس، وهو الماء الذي لاقته نجاسة سواء كانت دقيقة أم جليلة.
وقد أجمع أهل العلم كما نقل ابن المنذر: أن الماء الطهور إذا لاقى نجاسة فغيرت وصفاً من أوصافه: طعماً أو رائحة أو لوناً فإن هذا الماء يصير نجساً بالتغيير.
وهذه أدلة وآثار وإن كانت ضعيفة، لكن الإجماع انعقد على صحة معناها: حديث ابن ماجة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غير من طعمه أو لونه أو ريحه) فهذه الزيادة: (إلا ما غير من طعمه أو لونه أو ريحه) اتفق المحدثون على ضعفها، لكن أجمع أهل العلم على صحة مقتضى هذا الكلام: أن الماء إذا تغير وصف من أوصافه فإن هذا التغير يؤثر فيه سلباً وإيجاباً، فهو نجس، فإذا لاقى الماء الطهور الباقي على أصل خلقته طاهراً كالصابون أو الزعفران أو الورد وأثر فيه فغير طعماً أو لوناً أو ريحاً فإنه يصير طاهراً، وإذا لاقى نجاسة صار نجساً، والفرق بينهما: أن الماء النجس ينجس غيره إذا استعمل، بمعنى: أن الرجل إذا أراد أن يتوضأ بماء وظهر أن هذا الماء نجس قلنا له: إنه لا بد في مواضع الوضوء أن تمرر عليها ماءً مطلقاً حتى تزيل هذه النجاسة؛ لأنك تلبست بنجاسة.
أما إذا كان ماء وصابوناً فتوضأ بالماء والصابون عند من يقول: إن هذا الماء طاهر وليس بطهور، فإنا لا نقول شيئاً غير أنه يعيد الوضوء، فإذا ارتقى الماء مثلاً إلى ثيابك أو شعرك أو جسمك أو رجلك أو موضع من مواضع جسمك فلا تمرر عليه الماء فلست مطالباً بذلك؛ لأن الطاهر مر على جسدك ولك أن تصلي.
أما الثاني: وهو الماء النجس: فإنه إذا أصاب ثوبه وصلى وهو يعلم أن ثوبه قد انصبغ بالماء النجس فإن صلاته لا تصح وهذه ثمرة الخلاف، حيث نقول: يتفقان ويفترقان، فيتفقان في أن الماء الطاهر يتفق مع الماء النجس في عدم صحة الطهارة به لا في رفع الحدث ولا في إزالة النجس، بل لا بد من ماء مطلق خلاف الأحناف، فالأحناف يقولون: بأن المائعات تزيل الأنجاس، فالصحيح: أنهما يتفقان في إزالة النجاسة، في أن النجس إذا أصاب ثوباً أو أصاب موضعاً وجب غسل هذا الموضع؛ لأنه أصابته نجاسة فلا يصح الصلاة به، وأما إذا أصاب الماء الطاهر الجسد أو الثوب صحت الصلاة لو كان متوضئاً.
والغرض المقصود هو: هل تصح إزالة النجاسة بالماء أم لا؟ لأن هذا قول الأحناف، وقد رجحه أيضًا شيخ الإسلام، والخلاف ضعيف جداً، والقول الحق هو قول الجمهور: أنه لا تصح إزالة النجاسة إلا بالماء حتى ولو كان بالشمس، يعني: لو وجد النجاسة على ثوب والشمس كانت عليه فاستحالت النجاسة، يعني: إذا كانت النجاسة تتحول من النجاسة إلى شيء آخر فهل تصح أم لا؟ وهذا بحث قوي جداً في استحالة النجاسة: فهل تبقى النجاسة على ما هي عليه بعد تحول العين إلى عين أخرى؟ مثال ذلك: خنزير مات في مكان فيه ماء أو مكان فيه ملح فتحولت عين الخنزير من الخنزير إلى ملح فصار ملحاً، وهذا التحول ممكن في الواقع، وهو سهل جداً، فهل يصير بهذه الاستحالة طاهراً أم نجساً؟ وهي مسألة وعرة وليست بالهينة والخلاف فيها شديد.