والماء لا يكون مستعملاً إلا بقيدين عند الشافعية: القيد الأول: أن يكون منفصلاً عن العضو مستخدماً في الطهارة، فخرج بذلك: الماء المتردد على العضو، وقد جاء من حديث رقية وغيرها: (كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتوضأ فلم يمسح على رأسه فوجد بللاً في لحيته، فأخذ البلل ومسح به رأسه)، فهذا الماء الباقي على اللحية يُسمَّى عند الشافعية، بـ (الماء المتردد على العضو)، ولا يسمى (مستعملاً) عند الشافعية، فقد يقال: كيف يقول الشافعية بأن الماء المستعمل غير طاهر وعندهم حديث ظاهر في هذه المسألة، وهو حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأقول: أبق لي أبق لي، ويقول: أبق لي أبق لي).
ففي هذا الحديث دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل الماء المستعمل، وعائشة كذلك استعملت الماء المستعمل؟ ف
صلى الله عليه وسلم أن هذا التفسير غير صحيح للحديث؛ لأن هذا الدليل أجنبي عن النزاع، ولأن ما في الإناء لا يسمى مستعملاً.
والقيد الثاني: أن يستعمله في طهارة فرض، فخرج بذلك: الطهارة للنفل.
فلو أن رجلاً توضأ لصلاة الفجر، وبقي على الوضوء إلى صلاة الظهر، ثم توضأ لصلاة الظهر، وهو لا يزال على طهارة من الفجر، فجاء رجلٌ آخر وأراد أن يتوضأ بهذا الماء المستعمل (من طهارة نفلٍ) فإن هذا الماء لا يكون مستعملاً؛ لأنه لم يُستعمل في الطهارة للغرض، وإنما استُعمل في الطهارة للنفل.
وهذا القيد صراحة فيه ضعف؛ لأنك لو دققت النظر فيه لوجدت أن النية هي التي تفرق بين أن تكون هذه الطهارة لفرض أو نفل.
أيضاً قالوا: إن النية للفرض تسلب الطهورية عن الماء، وهذا ليس بتقعيد صحيح في المياه؛ لأن النية لا تسلب الطهورية عن الماء، فيبقى القيد الأول هو السالم والصحيح لأن يكون قيداً للماء المستعمل.