توجد أنواع من المياه يكره استعمالها مع أن الطهورية لم تسلب منها, وهي ماء بئر ثمود، وماء قوم لوط وهو البحر الميت، وماء بئر ذروان الذي وضع فيه السحر، وماء زمزم، فهذه المياه يكره استعمالها عند الشافعية, قالوا: وعندنا أدلة: أما ماء بئر ثمود فهم مغضوب عليهم، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المرور على ديارهم إلا أن يكون الإنسان باكياً مسرعاً, فكيف يستخدم الآلات التي كانوا يستخدمونها؟! وفي البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مر مع أصحابه على ديار ثمود فأخذ الصحابة ماء من بئر ثمود ثم عجنوا به العجين ليأكلوا، نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن استخدامه وقال: (اعلفوا هذا العجين بهائمكم، وأهريقوا هذا الماء) , ووجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بإتلاف الماء، ولا يجوز في الأصل إتلاف الماء؛ لأنه مال ظاهر، فهذا في تحريم استعمال ماء ثمود، لكن صرف الشافعية الحكم من التحريم إلى الكراهة؛ لأن العلة من النهي عن استعماله أن يصيبهم ما أصابهم، وهذه علة مظنونة، فما دام الماء مطلقاً، والعلة مظنونة، فقد قالوا بالكراهة لا التحريم.
الثاني: ديار قوم لوط: وهو البحر الميت، فقوم لوط مثل ثمود جاءتهم اللعنة, واستخدام ماء البحر الميت للوضوء فيه تفصيل: إن استخدمه من الجانب الذي كان فيه قوم لوط فإنه مكروه ويصح الوضوء، وإن استخدمه من الجانب الآخر فلا كراهة.
والآن ظهرت مسألة استخراج المستحضرات التجميلية من البحر الميت، فالورع تركها، وقد قيل بحرمتها، والتدقيق هو التفصيل السابق، فإن استخرجت من الموضع الذي كان فيه قوم لوط حرم استعمالها، وإلا فالأصل الإباحة، وكما ذكرنا فالورع الترك.
وماء ذروان يدخل في نفس المسألة التي تكلمنا عليها وهي حكم بئر ثمود.
أما ماء زمزم فأصول المذهب على أنه يصح الاغتسال به, ويصح التطهر به, وتوجد أدلة كثيرة على ذلك منها: قول الله تعالى: (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان:48]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الماء طهور لا ينجسه شيء) , وهو ماء مطلق، فيصح استعماله إلا أن يدل الدليل على المنع.
والحنابلة يمنعون من التوضؤ والاغتسال بماء زمزم، ويستدلون على ذلك بأثر عن العباس أنه قال: لا أحله لمغتسل، وعضدوا هذا الأثر بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ماء زمزم لما شرب له)، فقالوا: هذا ماء مبارك فلا يصح استعماله في الغسل ولا في الوضوء ولا رفع الحدث ولا إزالة النجس.
فنقول: أولاً: قول العباس الصحيح أنه: قول عبد المطلب وليس قول العباس، فلا يصح الاستدلال به.
الأمر الثاني: هذا القول خالف التأصيل الشرعي العام وهو: أن الماء الطهور المطلق يصح استعماله ما لم يدل دليل على المنع، ولم يدل لنا دليل على المنع.
الأمر الثالث: قالوا: هو ماء مبارك، فنقول: أعظم بركة منه الماء الذي نبع من بين يدي أصابع النبي صلى الله عليه وسلم، وشرب منه القوم وتوضئوا واغتسلوا منه.
إذاً: ماء زمزم ماء مبارك ويصح الاغتسال به ويصح الوضوء به, لكن يكره إزالة النجاسة بماء زمزم لما عرف من تعظيمه والبركة التي تلحقه.