حكم الماء المشمس

عند الشافعية ماء طهور يكره استعماله, فهو مطلق لم تسلب منه الطهورية, لكن يكره استعماله، وهو الماء المشمس, وجماهير العلماء أنه لا يكره استعمال الماء المشمس.

والمشمس عند الشافعية له ضوابط منها: أولاً: أن يجمع في إناء وتتسلط عليه الشمس وهو في الآنية، فيخرج بذلك ماء البحار وماء الأنهار والآبار؛ لأنها كبيرة وواسعة لا تتأثر, فقالوا: أن تكون متجمعة في أواني.

ثانياً: أن يكون هذا في البلاد الحارة وليس في البلاد الباردة.

ثالثاً: أن يكون استعماله على البدن لا على الثوب.

فهذا الماء حكمه عند علماء الشافعية الكراهة، والكراهة هي: طلب الكف لا على وجه اللزوم بل على وجه الاستعلاء، وحكمه: يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله, فمن توضأ بالماء المشمس لم يأثم, وتصح طهارته، وإن صلى تصح صلاته.

وقد استدل الشافعية على كراهة الماء المشمس من الأثر ومن النظر، أما الأثر: فحديث في السنن عن عائشة رضي الله عنها وأرضاه: أنها سخنت ماءً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليتوضأ به، فلما علم أنه قد سخن قال: (يا حميراء! لا تفعلي فإنه يورث البرص).

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التطهر بالماء المشمس).

وعن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ بالماء المشمس فأصابه الوضح -أي: البرص- فلا يلومن إلا نفسه).

وفي مسند الشافعي عن عمر بن الخطاب أنه نهى عن التوضؤ بالماء المشمس، وقال: إنه يورث البرص.

ومن النظر قالوا: القاعدة أنه لا ضرر ولا ضرار, والله يقول: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195] , فلا يجوز استخدام الماء المشمس إلا على سبيل الكراهة.

وقالوا: الماء المشمس إذا سقطت عليه أشعة الشمس وكان في آنية نحاس أو غيرها فإنها تحدث زهومة تعلو على الماء, فإذا وضع الرجل يده ليتوضأ كانت هذه الزهومة على جلد الإنسان، فيحدث احتباس الدم في جلد الإنسان فيحدث البرص, قالوا: والإنسان مأمور شرعاً أن يتجنب ما يضره.

والتحقيق: أن الماء المشمس لا يكره استعماله، والأحاديث التي استدلوا بها لا تصح، فحديث عائشة فيه خالد بن إسماعيل قال فيه يحيى بن معين: كذاب وضاع، والحديث الموضوع لا حجة فيه بحال من الأحوال.

وحديث أنس إسناده أظلم من الأول.

وحديث ابن عباس فيه عمر بن صبح وهو كذاب، وفي سنده أيضاً انقطاع بين سماك وابن عباس , ففيه علتان.

أما قولهم: الماء المشمس يورث البرص، فنقول: المسألة تدور على الطب, ولا تدور على الأثر, والماء المشمس ماء طهور لم يسلب الطهورية, فيصح للإنسان أن يستخدم الماء المشمس ويتوضأ به؛ لأنه ماء مطلق, إلا إذا ثبت بالدليل أنه يضر الجسد، فتبقى المسألة دائرة على الضرر، وهذا الذي بينه الشافعي في الأم فقال: ولا أكره الماء المشمس إلا من أجل الطب.

فنقول: بحمد الله التقدم في الطب موجود, فإن أقر الأطباء بأن الماء المشمس يضر بالجسد ويورث البرص قلنا بالحرمة ولم نقل بالكراهة, فإن قال الأطباء: لا يؤثر الماء المشمس على البدن, فنقول بعدم الكراهة، والكراهة حكم شرعي يحتاج إلى دليل, ولا دليل للشافعية، وإن ثبت الضرر طبياً فكان ينبغي أن يقولوا بالحرمة لا الكراهة, لأن الأصل عندكم: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195] , لكن قالوا: هذا المرض مظنون وليس مقطوعاً به, والمظنون لا ينبني عليه الجزم في الأحكام, فلا نقول: حرام لأنه ليس يقيناً أنه يورث البرص, لكن يغلب على الظن أنه يورث البرص، والرد عليهم بأن كثيراً من الأحكام ينزل غالب الظن فيها منزلة اليقين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015