ولكي يكون ناقضاً للوضوء لابد من شرطين: الشرط الأول: أن تكون البشرة على البشرة، يعني: لو مس المرأة بحائل لا ينتقض الوضوء، فلو مس على الشال أو الغترة لم ينتقض الوضوء، ولو مست المرأة من الرجل الأظافر لم ينتقض الوضوء.
الشرط الثاني: ألا يكون محرماً لها، يعني: أن مس المحارم لا ينقض الوضوء، ولا ينتقض إلا إذا مس بشرة المرأة الأجنبية، وضابط المرأة الأجنبية هي: التي يحل نكاحها، كابنة خالته، أو ابنة عمته وغيرهما.
واستدل الشافعي على أن لمس النساء ينقض الوضوء بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة:6] إلى أن قال: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة:6]، والأصل في الملامسة: أن تباشر البشرة البشرة.
أما تفسير حبر الأمة ابن عباس لقوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ} [النساء:43] بأن معناه: الجماع، فقد استدل الشافعي بذلك على ما دلت عليه اللغة.
فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم في البيوع عن الملامسة، والملامسة باتفاق أهل العلم معناها: لمس النوع أو لمس السلعة، ومما يزيد الأمر إيضاحاً وجود قراءة متواترة في: ((لامَسْتُمُ)) وهي: (أو لمستم النساء) وهذا أوضح ما يكون.
وفي الحديث الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (واليد تزني وزناها اللمس)، فقوله: (أو لمستم)، (وزنا اليد اللمس)، دلالة على أن البشرة تمس البشرة فهذا ينتقض به الوضوء.
والحق أن هذه الأدلة من القوة بمكان، لولا أننا ندور مع الحديث حيث دار، والشافعي بعد أن قال هذا المذهب القوي علق القول على صحة حديث عروة وهو حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل بعض نسائه ويذهب فيصلي ولا يتوضأ)، وهذه دلالة واضحة جداً على: أن اللمس حتى ولو بشهوة لا ينقض الوضوء؛ لأن القبلة مظنة الشهوة، فقال الشافعي: علماء الحديث لا يثبتون مثل هذا ولو ثبت لقلت به، فلي أن أزعم أن الشافعي يرى أن اللمس لا ينقض الوضوء؛ لأن الشافعي كما قال البيهقي: علق القول بأن اللمس لا ينقض الوضوء على صحة حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
وهذا الحديث فيه معترك سهل بين المحدثين في مسألة إعلان البخاري مسألة اللقاء والمعاصرة، لكن الصحيح أن نقول: الهيثمي والحافظ ابن حجر وقبله النووي وأيضاً كثير من المحدثين صححوا الحديث، وآخرهم مفخرة المصريين الشيخ أحمد شاكر فقد صحح هذا الحديث.
وهو: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل بعض نسائه ويخرج فيصلي ولا يتوضأ)، فهذا الحديث قاصم لظهر هذه الأدلة بأسرها، ويجعلنا نقول: إن اللمس لا ينقض الوضوء، وهو الراجح الصحيح، ومن قال: إن التقبيل بشهوة أو بغير شهوة ينقض فليس لهم ثمة دليل على ذلك.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وجزاكم الله خيراً.