عند الشافعية والحنابلة خلافاً للجمهور وقت من الأوقات يكره فيه استعمال السواك وهو: بعد الزوال للصائم، فالقيد الأول: أن يكون صائماً، والقيد الثاني: أن يكون بعد الزوال، واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)، وهذا الحديث فيه دلالة واضحة جداً على أن خلوف فم الصائم التي تكون نتيجة خلو المعدة أطيب عند الله من رائحة المسك، قالوا: فهذه الرائحة مستطابة عند الله فيكره إزالة المستطاب عند الله جل في علاه.
واستدلوا أيضاً بقول عمر بن الخطاب: [يكره للصائم أن يستخدم السواك بعد الزوال].
واستدلوا بأدلة أخرى منها حديث: (إذا يبست شفة الصائم تكون له نوراً يوم القيامة)، وهذا الحديث ضعيف جداً لا يجوز الاستدلال به.
واستدلوا أيضاً من ناحية النظر: بأن خلوف فم الصائم أثر عبادة، وقد وردت في الشرع كراهية إزالة أثر العبادة؛ ولذا فالنبي صلى الله عليه وسلم بعد ما اغتسل وأتي بالمنديل رده وما أخذه، فاستدل به العلماء على كراهية إزالة أثر العبادة؛ وفي هذا الاستدلال نظر، لكن يستدل على ذلك بأن الشرع جاء بدفن الشهداء في دمائهم وثيابهم، وهذه دلالة على أن أثر العبادة يكره إزالته، قالوا: وخلوف فم الصائم هو أثر الصوم، فيكره إزالته باستخدام السواك، والجماهير يرون إطلاق استحباب استخدام السواك للصائم قبل الزوال وبعد الزوال في أي وقت، وأخذ بقول الجمهور المحققون في المذهب مثل النووي، وابن عبد السلام، والمزني، فيرون أن الاستحباب على الإطلاق، واستدلوا على ذلك بعمومات الأدلة، مثل حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) ووجه الدلالة العموم، فقوله: (كل صلاة) تدخل فيه صلاة الظهر وصلاة العصر، وأيضاً عموم حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب)، وهو على العموم سواء قبل الزوال أم بعد الزوال للصائم وغير الصائم، وأيضاً: استدلوا بحديث ضعيف عن عامر بن ربيعة قال: (أكثر ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستخدم السواك وهو صائم)، وعمومات الأحاديث التي سبقت فيها الغنية عن هذا، واستدلوا من النظر فقالوا: السواك مرضاة للرب، فاستخدامه فيه رضا الرب جل في علاه حتى لو كان فيه إزالة أثر عبادة.
والشافعية اعتمدوا في الكراهة على حديث: (لخلوف فم الصائم عند الله أطيب من رائحة المسك)، والرد عليهم من وجهين: الأول: هذا الحديث مجمل، وحديثنا العام محكم وهو (مطهرة للفم، مرضاة للرب)، وأيضاً حديث: (عند كل صلاة)، فهذا العموم محكم، وهذا الحديث لا نستطيع أن نخصص به هذا العموم.
الوجه الثاني وهو الأقوى: هذه الرائحة تكون من خلو المعدة، والسواك لا يزيل هذه الرائحة.