هل يحل استعمال ما ضبب بشيء من الذهب والفضة، مثلاً: كسر إناء من معدن أو من نحاس، فضببه بالفضة أو بالذهب يعني: جعل فيه جزءاً من الذهب أو من الفضة ليصلح الكسر، فإن كان من الذهب فلا يجوز قولاً واحداً في المذهب، وإن كان من الفضة فيجوز، والأصل هو المنع في الذهب والفضة، لكن جاء دليل يخص الفضة فقط، وهو حديث أنس رضي الله عنه وأرضاه قال: (انكسر قدح النبي صلى الله عليه وسلم فجعل فيه سلسلة من فضة) فهذا يدل على أن تضبيب الإناء بالفضة يباح، والذهب لم يأت الدليل على جواز التضبيب به، فيبقى على الأصل، وهو التحريم.
إذاً نقول: إذا ضبب الإناء المكسور بالذهب فهو حرام قولاً واحداً، وإذا ضببه بالفضة فله أحوال: الحالة الأولى: أن يفعل ذلك لا لحاجة.
الحالة الثانية: أن يفعل ذلك لحاجة، والفضة قليلة جداً.
الحالة الثالثة: أن يفعل ذلك لحاجة والفضة كثيرة.
فحكم الحالة الأولى: فيها قولان في المذهب: القول الأول: كراهة استعمالها، والقول الثاني: وهو الراجح الصحيح: التحريم؛ لأنه قد يجعل نصف الإناء من فضة ويخالف نهي النبي صلى الله عليه وسلم وهو: (الذي يشرب في إناء الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم).
الحالة الثانية: أن يكون لحاجة وقليل، فهذا يباح للحاجة: ومعنى الحاجة أن غيره قد يغني عنه، فإناء الزجاج يغني عنه، لكن يحتاج إليه الناس، فأباح الشرع من أجل حاجة الناس أن يضبب الإناء المكسور بالفضة.
إذاً: إن كان قليلاً لحاجة جاز، والدليل على ذلك حديث أنس رضي الله عنه وأرضاه: (انكسر قدح النبي صلى الله عليه وسلم فجعل له سلسلة من فضة).
الحالة الثالثة: أن تكون الضبة كبيرة للحاجة، فهذا لا يجوز، وبعض الشافعية قال بالكراهة، والصحيح أنه لا يجوز.
إذاً: يجوز استخدام الفضة فقط في التضبيب للحاجة، وأما للضرورة فيجوز استعمال الذهب والفضة، والدليل على ذلك حديث عرفجة بن أسد رضي الله عنه وأرضاه حينما قطعت أنفه في المعركة، فصنع له أنفاً من فضة فكانت له رائحة منتنة، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يصنع له أنفاً من ذهب فصنع له أنفاً من ذهب.
فالضرورات تبيح المحظورات، لكن إذا جاء ما يغني عنها فلا يجوز استعمالها، فمثلاً الآن الأسنان اللبنية تغني عن الذهب والفضة، فلا يجوز تركيب الأسنان الذهبية؛ لأنه يمكنه الاستغناء عنها بالمباح.
إذاً: يباح استعمال الفضة للحاجة إن كانت قليلة، ويباح استعمال الذهب والفضة عند الضرورة، والضرورة تقدر بقدرها.