(وَالتَّرْكُ) أي ترك ذاك الأصل ألا يكون الخطاب مستعملاً لمعين فيه أي في تعيين المخاطب أي قد يترك الخطاب مع معين إلى غيره للعموم البين، يعني لإفادة لأجل - اللام للتعليل - أي لأجل إفادة الشمول البين الظاهر الواضح، حينئذٍ تترك التعيين من أجل أن يكون الخطاب عامًا للعموم البين أي الشامل لكل مخاطب على سبيل البدلية، أي ليعم الخطاب كل مخاطب على سبيل البدل، فالعموم بدلي هنا لا شمولي.

(وَالأَصْلُ) في قوله: (وَالأَصْلُ) هذا مبتدأ، و (فِي الْخِطَابِ) متعلق به وقوله: (لِلْمُعَيَّنِ) هذا خبره (وَالتَّرْكُ) مبتدأ، و (فِيهِ) متعلق به وخبره (لِلْعُمُومِ)، و (الْبيِّنِ) هذا صفة له. فأصل الخطاب أن يكون لمعين وقد يترك إلى غير معين كما تقول: فلان لئيم إن أكرمتَهُ أهانَ، وإن أحسنتَ إليه أساء إليك. أكرمتَه أحسنتَ. هل المراد به مخاطب معين أم المراد به كل من يتأتى أن يكون هذا خطابًا له؟ لا شك الثاني. حينئذٍ هنا لم يُرد به معين وإنما أريد به الشمول، يعني لم يتعين الخطاب هنا لشخص بعينه خلاف ما عليه المعرفة، إن أكرمته يعني كل شخص يكرمه إن أحسنتَ لكل شخص يحسن إليه إن أكرمته أهان إن أحسنتَ يعني كل شخص يحسن إليه النتيجة الإساءة، فلا تريد بذلك أكرمت وأحسنت مخاطبًا بعينه، بل تريد إن أُكرم من أي شخص كان، وإن أحسن إليه من أي شخص كان، فليس المراد به مخاطبًا معينًا فتخرجه بصورة الخطاب ليفيد العموم أي سوء معاملته غير مختص بواحد دون واحد، وهو في القرآن كثير، يعني هذا خطاب موجود في القرآن بكثرة كقوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ} [السجدة: 12] {وَلَوْ تَرَى} من؟ كل من يتأتى منه الرؤية ليس خاصًا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ولا بأي قارئ، وإنما كل من تتأتى منه أن يكون راءِيًا حينئذٍ دخل في الحكم. أُخرج في صورة الخطاب لما أريد العموم للقصد لا توضيع حالهم، وأنها تناهت في الظهور حتى أمتنع خفاؤها فلا تختص بها رؤية راءٍ تختص به، بل كل من يتأتى منه رؤية داخل في الخطاب، فيجعل غير الحاضر كالحاضر ليعم كل مخاطب على سبيل البدل.

إذًا (وَالأَصْلُ فِي الْخِطَابِ لِلْمُعَيَّنِ) جاء على وفق ما هو بحسب الوضع، (وَالتَّرْكُ فِيهِ) يعني في الخطاب (لِلْعُمُومِ الْبيِّنِ) فيترك ويراد به الشمول البدلي

وَعَلَمِيَّةٌ فَلِلاْحْضَارِ ... وَقَصْدِ تَعْظِيِمٍ أَو احْتِقَارِ

(وَعَلَمِيَّةٌ) الثاني من المعارف العلم، وهو ما وضع لشيء بعينه لا يتناول غيره:

اسم يعين المسمى مطلقًا ... علمه كجعفر وخرنقًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015