الكلام باعتبار المفهوم إن وافق ما كان خارجًا عن الذهن يُسمَّى صدقًا، وإن خالف الكلام الذي له مفهومٌ في الذهن باعتبار الخارج الواقع يسمى كذبًا، ولذلك قال: (وَالصِّدْقُ أَنْ يُطَابِقَ الْوَاقِعَ مَا يَقُولُهُ). أن يطابق ما يقوله يعني: الحكم المفهوم من الجملة الذي محلها هو الذهن أن يطابق الواقع، فإذا قلتَ: زيدٌ قائمٌ. يعني: اعتقدت ماذا؟ ثبوت قيام زيد، الذي دل على، دعنا من الاعتقاد، الذي دل عليه اللفظ لأن عندنا ثلاثة أشياء:
اعتقاد، ولفظٌ، وواقع
كم؟ ثلاثة أشياء اعتقاد ولفظٌ وواقع، إن طابَق مدلول اللفظ الواقع سُمِّيَ صدقًا، فإذا قلتَ: زيدٌ قائمٌ. وبالفعل زيدٌ قائمٌ نقول: هذا صدقٌ. ولو اعتقدت خلاف اللفظ لأن العبرة هنا باللفظ والواقع، فالاعتقاد لا دخل له البتة فإذا قلت: زيدٌ قائمٌ، ثبوت قيام زيد فنظرنا في الواقع زيد ليس بقائم بل هو جالس، حينئذٍ نقول: مدلول اللفظ لم يطابِق الواقع هذا يُسَمَّى كَذِبًا، (وَالصِّدْقُ) أي: صدق الخبر (أَنْ يُطَابِقَ الْوَاقِعَ) أي: الخارج الذي يكون بالنسبة للكلام الخبري، (الْوَاقِعَ) كما ذكرنا بالنصب مفعول (يُطَابِقَ) مقدم، والفاعل (مَا)، وهذا فاعل (يُطَابِقَ) (مَا) فهو المطابق، (الْوَاقِعَ) مطابَق، اجعلها أمام بعض من أجل أن تضبطها:
مطابِق اسم فاعل بكسر الباء، هذا هو الكلام.
مطابَق بفتح الباء اسم مفعول وهو الواقع.
إذًا (مَا) هي الفاعل، وهو اسمٌ موصول أي: حكمه، وتقدير النظم صدق الخبر أن يطابق حكم ما يقوله المخبر الواقعة، حكم ما يقوله المخبر يعني المتكلم الكلام الواقع، وقدرنا الحكم هنا لأن الصدق والكذب إنما يرجع إلى الحكم أولاً الذي هو النسبة أو الثبوت، أو السلب المضاف إلى مضمون الجملة. وعرفنا كيف نأخذ مضمون الجملة فيما سبق.
إذًا (وَالصِّدْقُ أَنْ يُطَابِقَ الْوَاقِعَ مَا يَقُولُهُ) إذًا حدُّ الصدق مطابقة القول أو حكم القول الواقع، (وَالْكذْبُ) كِذْبُ كَذِب كلاهما لغتان (وَالْكذْبُ) أي: كَذِبُ الخبر (أَنْ ذَا يُعْدَمَا) هنا إشكال (أَنْ ذَا يُعْدَمَا)، (يُعْدَمَا) فعل مضارع مُغير الصيغة وهو منصوب والناصب له (أَنْ)، وهل يجوز أن يفصل بين (أَنْ) ومدخولها؟ لا يجوز فكيف نصبه؟
(أَنْ ذَا يُعْدَمَا) كيف فصل بين (أَنْ) ومدخولها؟
لا يجوز الفصل ما يجوز، [ها]
حتى بالتقدير، حتى لو قيل أن يعدما ذا، لا يجوز أن يتقدم
هذا الأصل، لكن جَوَّزَ بعضهم أن يقدم متعلق الفعل عليه، يعني: أَنْ زيدًا أضربَ، الأصل أنه لا يجوز.