ولما كان بحث الكناية لطيفًا معناه ودقيقًا في المآخذ أمر الناظم بالاجتهاد في معرفته فقال: (اجْتَهِدْ أَنْ تَعْرِفَهْ) يعني تعرف هذا، أو يحتمل أنه يعود إلى البيان كله وهذا أولى (اجْتَهِدْ) يعني اسعى سعيًا حثيثًا (أَنْ تَعْرِفَهْ) يعني تعرف الكناية المذكور الأخير أو أن تعرف الباب كله العلم البيان من أوله إلى آخره.
الفن الثالث (عِلْمُ الْبَدِيعِ). والله أعلم.
وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أسئلة:
س- إنما السعادة للمقبولين إنها مثال على قصر الموصوف على الصفة، وعزى ذلك الدمنهوري قائلاً: المقبولين لا صفة لهم إلا السعادة.
ج - لا، كيف لا صفة لهم إلا السعادة، لهم صفات السعادة وغيرها، وهذا ليس بصحيح.
س- هل القول بإثبات المجاز في القرآن هو الصحيح وهل يجوزه نفيه بحجة .. ؟
ج- كما ذكرنا الصحيح أن المجاز موجود في لغة العرب وليس بقليل، وإذا كان في لغة العرب فالصحيح أنه موجود في القرآن وليس بقليل، بل هو كثير، كذلك موجود في السنة، ولا يلزم القول بالمجاز التسليم التأويل لأن المؤوِّل إنما اعتقدوا أولاً أن ظاهر النصوص هو التشبيه {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64] قالوا: لا نفهم من هذا التركيب إلا هذه اليد وهذا محال، إذًا فهموا أولاً التشبيه، فقالوا: ظاهر النصوص غير مراد. إذًا عندهم مقدمة لا بد من تأويل النص فلجئوا إلى المجاز، فالمجاز مقدمة ثانية وليس مقدمة أولى، وإنما اعتقدوا أولاً أن ظاهر النصوص هو ما يتبادر إلى الفهوم وهو التشبيه، لم يفهموا من استوى إلا الاستواء القعود الذي لا يدرك إلا من شأن المخلوق وهو محال لا شك في ذلك، لم يفهموا من العين إلا هذه العين، ولم يفهموا من اليد إلا هذه اليد، ولا الرجل إلا هذه الرجل، هل هذا فهم صحيح أم فهم سقيم؟
هذا فهم سقيم، بل {بَلْ يَدَاهُ} يدان تليق بجلاله جل وعلا، هذا ابتداءً أول الأمر، لماذا؟ لكونها أضيفت بالضمير لا إلى الله عز وجل، فإذا أطلق اللفظ يد حينئذٍ لا تختص بشيء، فإذا قيدت فحينئذٍ لا يفهم منه إلا باعتبار القيد وهو المضاف إليه، فحينئذٍ نقول: ظاهر النصوص هو ما يليق بجلاله جل وعلا من إثبات الصفات على المعاني اللائقة بها، وليس ظاهر النصوص هو التشبيه، والأشاعرة ومن أَوَّل وحرَّف اعتقدوا مقدمةً أولى أن ظاهر النص التشبيه هذا أولاً، ثم قالوا: ظاهر النصوص غير مراد فلا بد من تخريجه. فبحثوا عن التخريج فوجدوا المجاز، وهم لم يوجدوا المجاز من أجل ذلك كما يدعيه البعض، وإنما المجاز قد نص عليه كثير من أئمة اللغة، والإمام أحمد قال: هذا من مجاز اللغة. وأبو عبيدة كذلك قال: هذا من مجاز اللغة. وهذا يكون على أصله في إثبات المجاز.