الأول: (إِرَادَة النِّسْبَةِ) عرفنا المراد بالنسبة ما هي النسبة؟ إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه. (إِرَادَة النِّسْبَةِ) أي إثبات أمر لآخر أو نفيه عنه، فالمطلوب بالكناية هنا النسبة عينها، فالمطلوب هنا بالكناية نسبته لغيره كقولهم: الْمَجْدُ فِي بُرْدَيْهِ، وَالْكَرَمُ فِي ثَوْبَيْهِ أو فِي ثَوْبِهِ، فإنهما كنايتان عن ثبوت المجد والكرم له حيث لم يُصرح بذلك بل كَنَّى عنه بكونهما في برديه وفي ثوبه، فإن الأمر إذا أثبت فيما يختص بالرجل ويحيوه من ثوب ونحوه فقد أُثْبِتَ له، هنا المراد الْمَجْدُ فِي بُرْدَيْهِ ي، عني كأن الذي في البردين هو المجد بعينه، فالمراد به النسبة، وَالْجُودُ فِي ثَوْبِهِ كأن الذي هو في الثوب المجد بعينه، ومنه قول الشاعر:
إن السماحة والمروءة والندى ... في قبة ضربت على ابن الحشرج
كأنه أراد ماذا هنا؟ أراد أن يُثبت اختصاص ممدوحه بثبوت هذه الصفات له، إذا أريد إثبات الصفات بالممدوح كالمجد في برديه، فالمراد هنا بالكناية النسبة، إثبات أمر لآخر، وهنا أراد ماذا؟ أراد إثبات هذه المذكورات السماحة والمروءة والنَّدى أنها مختصة بممدوحه بثبوت هذه الصفات له، فترك التصريح باختصاصها بأن يقول: إنه مختص بها أو نحوه مثل السماحة لابن الحشرج، أو سماحة ابن الحشرج، أو سَمِحٌ ابن الحشرج، يعني لا يأتي بألفاظ تدل على الاختصاص، وإنما يعدل إلى الكناية بأن جعل تلك الصفات في قبة تنبيهًا على أن محلها وهي تكون فوق الخيمة يتخذها الرؤساء مضروبة عليه، يعني كأن القبة هذه التي كونت من السماحة والمروءة والندى قد اختصت بابن الحشرج لكونها حالةٌ في مكانه، والشيء إذا اختص بالمكان اختص به، يعني كأنه جاء بالكناية دون التصريح من أجل أن يبين أن الشيء قد يكون وصفًا له بذاته وقد يكون بمكانه، فكما أن القبة قد وضعت عليه وهي مؤلفة من هذه المعاني الثلاثة السماحة والمروءة والندى فكذلك المكان الذي هو فيه، بأن جعل تلك الصفات في قبة تنبيهًا على أن محلها وهي تكون فوق الخيمة يتخذها الرؤساء مضروبة عليه، يعني على ابن الحشرج، لأنه إذا ثبت الأمر في مكان الرجل وحيزه فقد ثبت له.
والثاني ما ذكره بقوله: (أَوْ) في (نَفْسِ الصِّفَةْ)، (أَوْ نَفْسِ الصِّفَةْ) أي المطلوب بالكناية الصفة عينها كالجود والكرم ونحوهما كطويل النجاد إذا جعل كناية عن طول القامة فالمراد هنا نفس الصفة على المثال السابق، ومنه ذو القفا العريض كناية عن شخص أبله، ذو القفا العريض هذا وصف أريد به [ها ها] أريد به الوصف بعينه، الصفة عينها الصفة.
الثالث: ما ذكر في قوله: (أَوْ غَيْرِ هَذَيْنَ) يعني غير النسبة وغير الصفة وهو الموصوف. إذًا الكناية إما أن تكون عن النسبة وإما أن تكون عن الصفة بعينها أو عن الموصوف، والأمثلة ما سبق (أَوْ غَيْرِ هَذَيْنَ) وهي المطلوب بها غير صفة وغير نسبة بل نفس الموصوف كقولك: المضياف. كناية عن زيد بسبب اختصاصه بالمضياف وأردت به زيد، نقول: هنا المراد به الموصوف.