إذًا أولاً جرت الاستعارة في المصدر، ثم صارت إلى الفعل، فالاستعارة الأصلية على هذا يتقرر ما كان المستعار فيها اسم جنسٍ، والتبعية بأن لا يكون اسم جنسٍ كالفعل والمشتق منه، ووجه التسمية هنا أن الاستعارة مبناه على التشبيه، وهو وصفٌ، يعني التشبيه يقتضي ماذا؟ يقتضي كون المشبه موصوفًا بوجه الشبه، هذا الأصل، أي كونه مشاركًا للمشبه به في وجه الشبه، وإنما يصلح للموصوفية الحقائق المتقررة، أما الأفعال فلا، لأنها غير ثابتة، أي الأمور الثابتة كقولك جسمٌ أبيض وبياضٌ ناصع دون معاني الأفعال والصفات المشتقة لكونها متجددة غير متقررة بواسطة دخول الزمان في مفهوم الأفعال وضعًا، وعروضه الصفات استعمالاً هذا هو المشهور، يعني أن بَشِّر وأنذر مثلاً هذه صفاتها غير ثابتة غير قارة، ومرّ معنا أن دلالة الفعل على الزمن دلالةٌ وضعية، ولذلك وكونه فعلاً لإفادة ماذا؟ التجدد، لماذا أفاد التجدد؟ لأن الزمن داخلٌ في مفهومه ويحصل شيئًا فشيئًا كلما وجد جزءٌ من الزمن وُجِدَ فيه نوعٌ من أجزاء الْحَدَث. إذًا كل ما دلّ على زمنٍ حينئذٍ لا يكون ثابتًا، الثابت كالأبيض، والناصع البياض، الأسود، أحمر نقول: هذه ثابتة طويل أو الطول والقصر نقول: هذه ثابتة لا تتبدل ولا تتغير، الاستعارة إنما تكون في أوصافٍ قارة ثابتة غير متجددة، والفعل يدل على ماذا؟ على التجدد، والصفات المشتقة تدل على .. .
إذًا لا تجري فيها الاستعارة، ولذلك العلم الجامد أو الأعلام لا تجري فيها الاستعارة إلا إذا قُدِّرَ فيها أوصاف، كلفظ حاتم مثلاً، حاتم هذا علم جامد، لا يقع الاستعارة فيه إلا إذا قصد به حاتم الجواد، رأيت حاتمًا يجود على الناس، حينئذٍ نقول شبه زيدًا من الناس بحاتم الجود، بجامع الجواد، ثم بدل ذلك استعار اسمه له، كيف استعار اسمه وهو علمٌ جامد؟ نقول: لا، هنا رُوعِيَ فيه الوصف.
إذًا (أَوْ لاَ) تابعية هذا النوع الثاني.