يعني أنت كالأسد، وحُذِفَ أنت الذي هو المبتدأ الْمُشَبّه، وحذفت أداة التشبيه وبَقِيَ الْمُشَبَّه به كما هو الشأن في {صُمٌّ بُكْمٌ}. إذا هذا على الصحيح يعتبر ماذا؟ يعتبر تشبيهًا، الذي حذفت أداته وجُعِلَ الْمُشَبّه به خبًرا عن الْمُشَبّه، هم كصم هذا الأصل، تشبيهٌ أم لا؟ تشبيهٌ اتفاقًا هذا التركيب تشبيه باتفاق، لكن لَمَّا حُذِفَ الْمُشَبَّه وحذفت الأداة قال: ... {صُمٌّ}، هل هو تشبيه أم لا؟ محل نزاع والصحيح أنه تشبيه، وإن كان التقدير هم كصم، لَمَّا حذفت الأداة جُعِلَ الْمُشَبّه به خبًرا عن الْمُشَبّه، لَمَّا [لم يكن جارًّا] لم يكن مجرورًا بالكاف المحذوفة حينئذٍ وقع فيه لبس، أي أنت أسد، وحذف منهما الْمُشَبّه وأداة التشبيه. والثاني نحو قولك: زيدٌ أسدٌ. وحذفت أداة التشبيه فقط، فهو تشبيه بليغ على الصحيح لا استعارة. إذًا هذان النوعان وقع فيهما نزاع، وهو النوع الأول أن يحذف الْمُشَبّه مع الأداة ويجعل الْمُشَبّه به خبرًا عن المبتدأ {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} - احفظ هذا المثال - هم كصم هذا الأصل.
الثاني أن تحذف الأداة فقط ويبقي الْمُشَبّه. زيدٌ أسدٌ. ماذا صنعتَ؟ أبقيت الْمُشَبّه والْمُشَبّه به طرفين وحذفت الأداة، هذا فيه نزاع كذلك، والصحيح في الموضعين أنهما تشبيه اصطلاحًا لا استعارة. انتهينا من التعريف.
ثم قال رحمه الله تعالى:
وَطَرَفَا التَّشْبِيهِ حسِّيَّانِ ... وَلِّوْ خَيَالِيًّا وَعَقْلِيَّانِ
وَمِنْهُ بِالْوَهْمِ وَبِالْوُجْدَانِ ... أَوْ فيهِمَا يَخْتَلِفُ الجُزْآنِ
لما كان الطرفان هما الأصل والعمدة في التشبيه لكون الوجه معنًى قائمًا بهما والأداة آلة في ذلك، قدَّم بحث ما يتعلق بالطرفين، المراد بالطرفين هما الْمُشَبّه والْمُشَبّه به، لأن البحث يكون في أمور:
أولاً: في الْمُشَبّه والْمُشَبّه به. في الطرفين على ما ذكر الناظم في البيتين.
الثاني: في الأداة.
الثالث: في وجه الشبَّه.
ثم يذكرون أغراض الشبّه، الغرض منه، ثم يذكرون أقسام كل منها.
فقال رحمه الله تعالى: (وَطَرَفَا التَّشْبِيهِ) أي الْمُشَبّه والْمُشَبَّه به، إما ... (حسِّيَّانِ) (وَعَقْلِيَّانِ)، والخيالي داخل في الحسيّ، والوهم والوجدان داخلان في العقل على الترتيب انظر في البيتين، (حسِّيَّانِ) أو (عَقْلِيَّانِ) هذا التقسيم، إما (حسِّيَّانِ) أو (عَقْلِيَّانِ) أو مختلفان ولو خياليًّا هذا نوع من أنواع الحسّيّ داخل فيه، و (مِنْهُ) أي من العقليّ (بِالْوَهْمِ وَبِالْوُجْدَانِ) إذا الوهم والوجدان داخلان في العقل، (أَوْ فيهِمَا يَخْتَلِفُ الجُزْآنِ) يعني بعضه حسيّ وبعضه عقليّ. إذا القسمة ثلاثية، طرف التشبيه ثلاثة أقسام: إما (حسِّيَّانِ) وإمّا (عَقْلِيَّانِ)، وإما مختلفان. الحسِّيَّان أن يكون كلٌّ من الْمُشَبّه والْمُشَبّه به حِسِّيّ.
والعقليان أن يكون كل من الْمُشَبّه والْمُشَبّه به عقليّ.
ومختلفان أن يكون الأول والمشبّه حسي، والمشبه به عقلي، والنوع الثاني أن يكون الْمُشَبّه عقلي وأن يكون الْمُشَبّه به حسي. هذا ما يعبر عنه بالمختلفين، واضح هذا؟