إذًا نقول: هذه الاستعارة التحقيقية ومثالها: رأيت أسدًا يرمي. نقول: هذا ليس بتشبيه اصطلاحي وإنما هو استعارة تحقيقية، وإن كانت هي مبنيةً على التشبيه، لأن التشبيه ما ذُكر إلا من أجل الاستعارة، إذًا رأيت أسدًا يرمي ليس هو بتشبيه اصطلاحي، ولا على وجه الاستعارة بالكناية، وسيأتي بحثها، وهي التي أظهر فيها التشبيه في النفس. ثَمَّ مُشاركة أَمْرٍ لآخر، لكن هنا التشبيه مضمر في النفس، يعني مقدر في النفس، يعني منويّ، نويتَ أولاً ثُمَّ أَطْلَقْتَ، فلم يُصَرِّحْ بشيء من أركانه سوى الْمُشَبّه، ودُلَّ عليه بأن أُثْبِتَ للمشبَّه أَمْرٌ اخْتَصّ بالْمُشَبّه به نحو: أَنْشَبَتُ الْمَنِيَّةُ أَظْفَارَهَا، هذا يُسَمَّى كناية، وهو فيه في الأصل معنى التشبيه، لكنه ليس بالتشبيه الاصطلاحي ولا بد من إخراجه، وسيأتي معنى الكناية في آخر الفصل. ولا على وجه التجريد وهو أن يكون الْمُشَبّه مذكورًا أو مقدرًا ولم يكن اسم الْمُشَبّه به خبرًا للمُشَبّه ولا في حكم الخبر مع حذف أداة كما سيأتي إن شاء الله تعالى في موضعه، نحو ماذا؟ لقيت من زيد أسدًا. كأنك جردت من زيد أسدًا، لقيت من زيد هذا يُسمى التجريد عند البيانين، لقيت من زيد أسدًا، فبكل من هذه الثلاثة دلالة على مشاركة أمر لآخر في معنًى إذا وُجِدَ فيه الْحَدّ، ولكن لا يُسمَّى شيء من تَشْبِيهًا اصطلاحًا، لا الاستعارة الحقيقية، ولا كناية، ولا التجريد، وإن كانت الثلاثة مبناها على التشبيه في الأصل، لكن لا تسمى تشبيهًا في الاصطلاح. ودخل في تعريف التشبيه الاصطلاحي ما يُسمى تشبيها بلا خلاف، وهو ما ذكر فيه أداة التشبيه، سواء ذكر الْمُشَبّه معها نحو: زيد كالأسد، ذُكِرَ فيها أدة التشبيه، وهذا محل وفاق، أو حذف لقرينة نحو: كأسدٍ. في جواب: كيف زيد؟ كأسدٍ. أين الْمُشَبّه محذوف لقرينة وقوعه - الكلام يعني - جوابًا لسؤال: كيف زيد؟ كأسد، أو كالأسد. ودخل أيضًا ما يُسمى تشبيهًا على المختار يعني على الصحيح، وهو التشبيه الذي حُذِفَتْ أداته وجُعِلَ الْمُشَبّه به خبرًا عن الْمُشَبّه أو في حكم الخبر، سواء كان مع حذف الْمُشَبّه أو مع ذكره {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ}. [البقرة: 18] أي هم صمٌّ أي هم كصمٍّ، واضح هذا؟ {صُمٌّ} نقول: هذا خبر لمبتدأ محذوف، حذف المبتدأ وهو هم وبَقِي الْمُشَبّه به وحذفت الأداة. كقول الشاعر:

أَسَدٌ عَلَيَّ وفي الْحُروبِ نَعَامَة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015