المطابقية يعبر عنها هنا بالوضعية، كدلالة الإنسان على الحيوان الناطق بالنسبة إلى من هو عالمٌ بالوضع، فنسميها دلالة وضعية، المطابقية التي نسميها ناطقة تسمى هنا وضعية، إذًا مرّ بك هذه دلالة وضعية فاعلم أن مرادهم بها دلالة اللفظ على تمامِ ما وُضِعَ له، وهي التي يعنون لها بدلالة المطابقة، فحينئذٍ نسميها دلالة وضعية يعني نسبةً إلى الواضع، لماذا؟ لأن الواضع إنما وضع اللفظ للدلالة على تمام الموضوع له، فهي دلالةٌ منسوبةٌ إلى الوضع، وإنما اختصت به مع كون دلالة التضمن وكذلك دلالة التزام فيها شيء من الوضع، لأن هذه وضعية محضة بخلافهما يعني: التضمنية والالتزامية وإن كان للوضع مدخلٌ فيه، يعني الوضع، ولذلك نقول: اللفظ الموضوع. إذًا لا بد أن يكون مأخوذًا في جميع الأقسام، اللفظ الموضوع إما أن يدل على تمام ما وضع له. عرفنا الوضعية، أو على جزئه هذا قسمٌ لأي شيء للفظ الموضعي، إذًا هي وضعية أو على اللازم الخارج إذًا هي وضعية. إذًا الوضع له مدخلٌ في الأنواع الثلاثة ولا شك، لكن لما كان الوضع في دلالة اللفظ على تمام ما وُضِعَ له محضًا يعني خالصًا يُفهم المعنى منه دون دلالة العقل، حينئذٍ سمت وضعية محضة، وأما دلالة اللفظ على جزء المعنى الموضوع له اللفظ العقل له مدخلٌ، فسلب عنه لفظ الوضع فلا تسمى وضعية، وإنما تسمى عقلية عند البيانيين، وكذلك الالتزام من بابٍ أولى وأحرى. إذًا الوضع له مدخلٌ في الدلالة الوضعية والدلالة التضمن والدلالة التزام إلا أنه لما كان المعنى يُفهم في التضمن بواسطة العقل لأنه دلالةٌ على جزئه، واللازم كذلك بواسطة العقل سُلِبَ عنه عن هذين النوعين وصف الوضعية واختص بدلالة المطابقة فهي الدلالة الوضعية عندهم لأن الوضع هنا متمحضٌ في الفهم. هذا الأول، وعلى جزئه يعني: دلالة اللفظ على جزئه أي: على جزء الموضوع له من حيث هو جزءٌ وهذا إنما يكون في المعاني المركبة، وأما المعاني البسيطة فلا تتأتى دلالة التضمن البتة، مثل ماذا؟ قالوا: كدلالة الإنسان على الحيوان فقط، إذا قلت: هذا إنسانٌ وقصدت به الحيوان فقط فهو جزءٌ لأن الإنسان معناه مركب من شيئين حيوان ناطق، إذا أطلقت لفظ الإنسان وأردت به الحيوان فقط فهو دلالة الشيء على جزئه، دلالة اللفظ على جزئه، يعني على جزء المعنى الذي وُضِعَ له اللفظ، وإذا قصدت به الناطق دون الحيوان كذلك استُعْمِل اللفظ في الدلالة على جزء المعنى، وهذا المعنى كذلك أورده ابن لقيم في أعلام الرب جل وعلا. فيقال: الرحمن دلالته دلالة وضعية كما هنا أو مطابقة على الذات والصفة معًا، ذاتٌ متصفة بصفة الرحمة، إذًا عندنا أمران فهو معنًى مركب، دلالة الرحمن على الذات فقط هذه دلالة تضمن، دلالة الرحمن على الرحمة فقط دون الذات هذه دلالة التضمن.